فيقول : يا ربّ .. لم يعطنى أحد حسنة من حسناته.
فيقول الله ـ سبحانه : عبدى .. ألم يكن لك صديق (فيّ) (١)؟
فيتذكر العبد ويقول : فلان كان صديقا لى.
فيدله الحقّ عليه ، فيأتيه ويكلّمه في بابه ، فيقول : بلى ، لى عبادات كثيرة قبلها اليوم فقد وهبتك منها ، فيسير هذا العبد ويجىء إلى موضعه ، ويخبر ربّه بذلك ، فيقول الله ـ سبحانه : قد قبلتها منه ، ولن أنقص من حقّه شيئا ، وقد غفرت لك وله ، وهذا معنى قوله :
(فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)
قوله جل ذكره : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ...)
ذكر قصة نوح وما لقى من قومه ، وأنهم قالوا : ـ
(قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ؟)
إنّ أتباع كلّ رسول إنما هم الأضعفون ، لكنهم ـ فى حكم الله ـ هم المتقدّمون الأكرمون. قال عليهالسلام : «نصرت بضعفائكم».
وإنّ الله أغرق قومه لمّا أصرّوا واستكبروا.
وكذلك فعل بمن ذكرتهم الآيات في هذه السورة من عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين .. كلّ منهم قابلوا رسلهم بالتكذيب ، فدمّر الله عليهم أجمعين ، ونصر رسوله على مقتضى سنّته الحميدة فيهم. وقد ذكر الله قصة كل واحد منهم ثم أعقبها بقوله : ـ
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٢٢))
(الْعَزِيزُ) : القادر على استئصالهم ، (الرَّحِيمُ) الذي أخّر العقوبة عنهم بإمهالهم ، ولم يقطع الرزق مع قبح فعالهم.
__________________
(١) هكذا في م وص وهي صحيحة مقبولة في المعنى والسياق ؛ غير أننا لا نستبعد أنها ربما كانت فى الأصل (صديق وفيّ) حيث تقابل ما جاء في الآية (صديق حميم) فالبحث يومئذ يكون عن الصديق الوفى الحميم.