وذرّيته بوصف اللطف فقبلوا وحملوا ، وفي حال بقاء العبد بالله يحمل السماوات والأرض بشعرة من جفنه. ويقال كانت السماوات والأرض أصحاب الجثت والمبانى فأشفقوا من حمل الأمانة. والحمل إنما تحمله القلوب. وآدم كان صاحب معنى فحمل ، وأنشدوا :
حملت جبال الحكم فوقى وإننى |
|
لأعجز عن حمل القميص وأضعف |
ويقال لما عرض الحقّ الأمانة على الخلق علّق آدم بها همّته ، فصرف بهمته جميع المخلوقات عنها ، فلمّا أبوا وأشفقوا حملها الإنسان طوعا لا كرها.
قوله جل ذكره : (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٣))
اللام فى (لِيُعَذِّبَ) للصيرورة والعاقبة ؛ أي صارت عاقبة هذا الأمر عذاب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ، ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات بالمغفرة والتجاوز (تمّت السورة) (١) قد يقال : المنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات والعاصون من المؤمنين والمؤمنات ورد ذكرهم .. فأين العابدون وذكرهم؟
ولكنهم في جملة من مضى ذكرهم ، وليسوا في المشركين ولا في المنافقين ، فلا محالة فى جملة العاصين الذين تاب عليهم.
فيا أيها العاصي ، كنت تحذر أن يخرجك العابدون من جملتهم ، فاشهد الجبّار ـ فى هذا الخطاب ـ كيف أدرجك في جملتهم (٢)؟!
__________________
(١) هكذا في الأصل ، وهذه أول مرة يستدرك بها المصنف شيئا عقب خاتمة سورة.
(٢) هذا الاستدراك لافت للنظر من حيث يدل على رحابة صدر الصوفية ، وشدة حرصهم على فتح أبواب الأمل أمام العصاة الراغبين في التوبة ، (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً).