(إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١))
أي إنما ينتفع بإنذارك من اتّبع الذّكر ؛ فإنّ إنذارك ـ وإن كان عاما في الكلّ وللكلّ ـ فإنّ الذين كفروا على غيّهم يصرّون .. ألا ساء ما يحكمون ، وإن كانوا لا يعلمون قبح ما يفعلون. أمّا الذين اتبعوا الذكر ، واستبصروا ، وانتفعوا بالذي سمعوه منك ، وبه عملوا ـ فقد استوجبوا أن تبشّرهم ؛ فبشّرهم ، وأخبرهم على وجه يظهر السرور بمضمون خبرك عليهم.
(وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) : كبير وافر على أعمالهم ـ وإن كان فيها خلل.
قوله جل ذكره : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ)
نحيى قلوبا ماتت بالقسوة بما نمطر عليها من صوب الإقبال والزلفة ، ونكتب ما قدّموا.
(وَآثارَهُمْ) : خطاهم إلى المساجد (١) ، ووقوفهم على بساط المناجاة معنا ، وترقرق دموعهم على عرصات خدودهم ، وتصاعد أنفاسهم.
(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ)
أثبتنا تفصيله في اللوح المحفوظ .. لا لتناسينا لها ـ وكيف وقد أحصينا كل شىء عددا؟ ـ ولكننا أحببنا إثبات آثار أحبائنا في المكنون من كتابنا.
قوله جل ذكره : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣))
انقرض زمانهم ، ونسى أوانهم وشأنهم! ولكننا نتذكر أحوالهم بعد فوات أوقاتهم ، ولا نرضى بألا يجرى بين أحبائنا وعلى ألسنة أوليائنا ذكر الغائبين والماضين ، وهذا مخلوق يقول في صفة مخلوق :
__________________
(١) قال أبو سعيد الخدري : كان بنو سلمة في ناحية من المدينة ، فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد ، فأنزل الله الآية ، وقال لهم النبيّ (ص) : «إن آثاركم تكتب فسلم تنتقلون» أسباب النزول للواحدى ص ٢٤٥.