البعث ، وقد ضرب ـ سبحانه ـ المثل له بإحياء الأرض بالنبات في الكثير من الآيات. والعجب ممّن ينكر علوم الأصول ويقول ليس في الكتاب عليها دليل! وكيف يشكل ذلك وأكثر ما في القرآن من الآيات يحت على سبيل الاستدلال ، وتحكيم أدلة العقول (١)؟ ولكن يهدى الله لنوره من يشاء. ولو أنهم أنصفوا من أنفسهم ، واشتغلوا بأهم شىء عندهم لما ضيّعوا أصول الدّين ، ولكنهم رضوا فيها بالتقليد ، وادّعوا في الفروع رتبة الإمامة والتصدّر .. ويقال في معناه :
يا من تصدّر في دست الإمامة فى |
|
مسائل الفقه إملاء وتدريسا |
غفلت عن حجج التوحيد تحكمها |
|
شيّدت فرعا وما مهّدت تأسيسا! |
قوله جل ذكره : (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦))
تنبّه هذه الاية على التفكّر في بديع صنعه ؛ فقال : تنزيها لمن خلق الأشياء المتشاكلة فى الأجزاء والأعضاء ، من النبات ، ومن أنفسهم ، ومن الأشياء الأخرى التي لا يعلمون تفصيلها ، كيف جعل أوصافها في الطعوم والروائح ، فى الشكل والهيئة ، فى اختلاف الأشجار فى أوراقها وفنون أغصانها وجذوعها وأصناف أنوارها وأزهارها ، واختلاف أشكال تمارها فى تفرّقها واجتماعها ، ثم ما نيط بها من الانتفاع على مجرى العادة مما يسميه قوم : الطبائع ؛ فى الحرارة والبرودة ، والرطوبة واليبوسة ، واختلاف الأحداث التي يخلقها الله عقيب شراب هذه الأدوية وتناول هذه الأطعمة على مجرى العادة من التأثيرات التي تحصل في الأبدان. ثم اختلاف صور هذه الأعضاء الظاهرة والأجزاء الباطنة ، فالأوقات متجانسة ، والأزمان متماثلة ، والجواهر متشاكلة .. وهذه الأحكام مختلفة ، ولو لا تخصيص حكم لكل شىء بما اختصّ به لم يكن تخصيص بغير ذلك أولى منه. وإنّ من كحّل الله عيون بصيرته بيمن التعريف ، وقرن أوقاته بالتوفيق ، وأتم نظره ، ولم يصده مانع .. فما أقوى في المسائل حجّته! وما أوضح فى السلوك نهجه!.
__________________
(١) فى هذا ردّ على من يتهم الصوفية بمجافاتهم للعقل والعلم.