أرانى كلّ يوم في انتقاص |
|
ولا يبقى مع النقصان شيّ |
هذا في الجثث والمبانى دون الأحوال والمعاني ؛ فإن الأحوال في الزيادة إلى أن يبلغ حدّ الخرف (١) فيختلّ رأيه وعقله. وأهل الحقائق تشيب ذوائبهم ولكنّ محابّهم ومعانيهم فى عنفوان شبابها ، وطراوة جدّتها.
قوله جل ذكره : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩))
كلامه صلىاللهعليهوسلم كان خارجا عن أوزان الشّعر ، والذي أتاهم به من القرآن لم يكن من أنواع الشعر ، ولا من طرق الخطباء.
تحيّر القوم في بابه ؛ ولم تكتحل بصائرهم بكحل التوحيد فعموا عن شهود الحقائق.
قوله جل ذكره : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣))
ذكر عظيم منّته عليهم ، وجميل نعمته لديهم بما سخر لهم من الأنعام التي ينتفعون بها بوجوه الانتفاع.
ولفظ (أَيْدِينا) توسّع. أي مما عملنا وخلقنا ، وذلك أنهم ينتفعون بركوبها وبأكل لحومها وشحومها ، وبشرب ألبانها ، وبالحمل عليها ، وقطع المسافات بها ، ثم بأصوافها وأوبارها وشعرها ثم بعظم بعضها .. فطالبهم بالشكر عليها ، ووصفهم بالتقصير في شكرهم.
ثم أظهر ـ ما إذا كان في صفة المخلوقين لكان شكاية ـ أنهم مع كل هذه الوجوه من الإحسان : ـ
(واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون
__________________
(١) الخرف فساد العقل من الكبر.