قوله جل ذكره : (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١))
من كمال شقاوته أنه جرى على لسانه (١) ، وتعلّقت إرادته بسؤال إنظاره ، فازداد إلى القيامة في سبب عقوبته ، فأنظره الله ، وأجابه ، لأنه بلسانه سأل تمام شقاوته.
(قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣))
ولو عرف عزّته لما أقسم بها على مخالفته.
ويقال تجاسره في مخاطبة الحقّ ـ حيث أصرّ على الخلاف وأقسم عليه ـ أقبح وأولى فى استحقاق اللعنة من امتناعه للسجود لآدم (٢).
قوله جل ذكره : (قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥))
وختم الله سبحانه السورة بخطابه إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم :
(قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إِنْ هُوَ
__________________
(١) فى هذه الإشارة دقة تحتاج إلى تأمل ، فقول القشيري «جرى على لسانه» تفيد أن مأساة إبليس ترجع إلى مشيئة عليا ، وإن كان ظاهر اللفظ أنه بلسانه اختار طريقه ، وبإرادته سعى إلى إنظاره.
وهكذا يغمز القشيري بمن يحاولون نسبة الحرية للإنسان ـ مع أن الحرية وبال ونكال.
ويذكّرنا هذا الموقف بقولة ابن عربى فى (شجرة الكون) عند شرح «كن فيكون» أن فى «كن» كل شىء ؛ فى الكاف كمال الدين والكفر ، وفي النون النعمة والنقمة ... فالله خالق كل شىء حين خاطب الكون : «كن»
(٢) فى هذه الإشارة لفتة إلى مقصد بعيد : أن الوقوع في الذنب أمر قبيح ولكن الإصرار على الذنب أقبح. وهذا حث للعصاة على الإقلاع عن المعاصي ، وعدم اليأس من رحمة الله. وتطالعنا سماحة القشيري في هذا الخصوص فى مواضع مختلفة من هذا الكتاب ، وكذلك أنظر باب «التوبة» فى الرسالة.