قوله جل ذكره : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦))
(مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) يعنى آدم وحواء.
(وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) أي خلق لكم ، (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) فمن الإبل اثنين ، ومن البقر اثنين ، ومن الضأن اثنين ، ومن المواشي اثنين.
(يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) : أي يصوّركم ، ويركّب أحوالكم.
(فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) : ظلمة البطن ، وظلمة الرّحم ، وظلمة المشيمة (١). ذكّرهم نسبتهم لئلا يعجبوا بأحوالهم.
ويقال بيّن آثار أفعاله الحكيمة في كيفية خلقتك ـ من قطرتين ـ أمشاجا متشاكلة الأجزاء ، مختلفة الصّور في الأعضاء ، سخّر بعضها محالّ للصفات الحميدة كالعلم والقدرة والحياة .. وغير ذلك من أحوال القلوب ، وسخّر بعضها محالّ للحواس كالسمع والبصر والشّمّ وغيرها.
ويقال هذه كلها نعم أنعم الله بها علينا فذكّرنا بها ـ والنفوس مجبولة ، وكذلك القلوب على حبّ من أحسن إليها ـ استجلابا لمحبتنا له.
(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ ...) (٢) أي إن الذي أحسن إليكم بجميع هذه الوجوه هو ربّكم.
__________________
(١) هكذا في م وهي الصواب أما في ص فهى (البشيمة)
والظلمات الثلاث التي أوردها القشيري على هذا النحو قالها ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة والضحاك.
وقال أبو عبيدة : ظلمة صلب الرجل ، وظلمة بطن المرأة ، وظلمة الرحم (القرطبي ج ١٥ ص ٢٣٦).
(٢) يبدو أن القشيري منذ هذه اللحظة وحتى الاية الكريمة التالية انتابته حالة من حالات الذكر ، فجاءت كلماته أشبه بالتسبيح والنجوى.