ويقال إن للعبد دواعى من باطنه هي هواجس النفس ووساوس الشيطان وخواطر الملك وخطاب الحقّ يلقى في الرّوع ؛ فوساوس الشيطان تدعو إلى المعاصي ، وهواجس النفس تدعو إلى ثبوت الأشياء من النّفس وأنّ لها في شىء نصيبا ، وخواطر الملك تدعو إلى الطاعات والقرب ، وخطاب الحقّ في حقائق التوحيد.
(أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) : ـ
أولئك الذين هداهم الله لتوحيده ، وأولئك الذين عقولهم غير معقولة (١).
قوله جل ذكره : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩))
؟ الذين حقّت عليهم كلمة العذاب فريقان : فريق حقت عليهم كلمة بعذابهم في النار ، وفريق حقت عليهم كلمة العذاب بالحجاب اليوم ، فهم اليوم لا يخرجون عن حجاب قلوبهم ، ولا يكون لهم بهذه الطريقة إيمان ـ وإن كانوا من أهل الإيمان (٢).
قوله جل ذكره : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ (٢٠))
وعد المطيعين بالجنّة ـ ولا محالة لا يخلف ، ووعد التائبين بالمغفرة ـ ولا محالة يغفر لهم ، ووعد المريدين بالوجود والوصول ـ وإذا لم تقع لهم فترة فلا محالة مصدق وعده.
قوله جل ذكره : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً
__________________
(١) (عقولهم غير معقولة) أي غير حبيسة أو ممنوعة عن الإدراك وتصحيح الإيمان ، فهذه هي المهمة الأساسية العقل في نظر المصنف ـ كما نوهنا بذلك. وربما كانت في الأصل (مقفولة) فيها أيضا يستقيم المعنى.
(٢) نعلم أن كثيرين في أوساط أهل السّتّة يعارضون العديد من مسائل التصوف ، ومن أمثالهم ابن تيميه وابن الجوزي.