أمّا المؤمن فهو خالص لله عزوجل ، يشبه «عبدا سلما لرجل» أي ذا سلامة من التنازع والاختلاف.
ويقال (رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ) تتجاذبه أشغال الدّنيا ، شغل الولد وشغل العيال ، وغير ذلك من الأشغال المختلفة والخواطر المشتّتة.
أمّا المؤمن فهو خالص لله ليس لأحد فيه نصيب ؛ ولا للدنيا معه سبب إذ ليس منها شىء ، ولا للرضوان معه شغل (١) ، إذ ليس له طاعات يدلّ بها ، وعلى الجملة فهو خالص لله ، قال تعالى لموسى : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (٢) أي أبقيتك لى حتى لا تصلح لغيرى.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) : الثناء له ، وهو مستحقّ لصفات الجلال.
قوله جل ذكره : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١))
نعاه ـ عليهالسلام ـ إليه. ونعى المسلمين إليهم ففزعوا بأجمعهم من ماثمهم (٣) ، ولا تعزية في العادة بعد ثلاث. ومن لم يتفرّغ من مآثم نفسه وأنواع همومه ، فليس له من هذا الحديث (٤) شمّة ، فإذا فرغ قلبه من حديث نفسه ، وعن الكون بجملته فحينئذ يجد الخير من ربّه ، وليس هذا الحديث إلا بعد فنائهم عنهم ، وأنشد بعضهم :
__________________
(١) لقيت الجنة من كبار الشيوخ مواقف لا يخلو التعبير عنها ـ عند من لا يفقهونها ـ الكثير من الاستغراب ، من ذلك ما يقوله أبو يزيد البسطامي : ما الجنة؟ لعبة صبيان! ويقول : الجنة هي الحجاب الأكبر لأن أهل الجنة سكنوا إلى الجنة ، وكلّ من سكن إلى الجنة سكن إلى سواه فهو محجوب.
(٢) آية ٤١ سورة طه.
(٣) هكذا في ص وهي مقبولة لتناسب الخصومة التي سيترتب عليها في الآخرة الاختصام.
(٤) يقصد حديث الفناء عن كل أرب وسيب ، أي الفناء بالمعنى الصوفي.