كتابى إليكم بعد موتى بليلة |
|
ولم أدر أنى بعد موتى أكتب |
قوله جل ذكره : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٣٢))
الإشارة فيه إلى من أشار إلى أشياء لم يبلغها ، وادّعى وجود أشياء لم يذق شيئا منها ، قال تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) (١).
ويقال : لا بل هؤلاء هم الكفار ، وأمّا المدّعى الذي لم يبلغ ما يدّعيه فليس يكذب على ربّه إنما يكذب على نفسه ؛ حيث ادّعى لها أحوالا لم يذقها ولم يجدها ، فأمّا غير المتحقق الذي يكذب على الله فهو الجاحد والمبتدع الذي يقول في صفة الحقّ ـ سبحانه ـ ما يتقدّس ويتعالى عنه (٢).
قوله جل ذكره : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤))
الذي جاء بالصدق في أفعاله من حيث الإخلاص ، وفي أحواله من حيث الصدق ، وفي أسراره من حيث الحقيقة.
(ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) : الإحسان ـ كما جاء في الخبر ـ أن تعبد الله كأنك تراه. فمن كانت ـ اليوم ـ مشاهدته على الدوام كانت رؤيته غدا على الدوام ، ومن لا فلا (٣).
__________________
(١) آية ٦٠ من هذه السورة.
(٢) وإلى أمثال هؤلاء أشار القشيري في مستهل رسالته قائلا «.. ثم لم يرضوا بما تعاطوه من سوء الأفعال ، حتى أشاروا إلى أعلى الحقائق والأحوال ، وادّعوا أنهم تحرروا عن رق الاغلال ، وتحققوا بحقائق الوصال ، وأنهم قائمون بالحق تجرى عليهم أحكامه وهم محو ، وأنهم كوشفوا بأسرار الأحدية وزالت عنهم أحكام البشرية ، والقائل عنهم غيرهم إذا نطقوا ...» الرسالة ص ٣.
(٣) روى مسلم عن جابر ويبعث كل عبد على مامات عليه» ٦ / ٤٥٧ فيض القدير للمناوى «ومن كان مجالة لقى الله عليها».