ما عرفوه حقّ معرفته (١) ، وما وصفوه حقّ وصفه ، وما عظّموه حقّ تعظيمه ؛ فمن اتصف بتمثيل ، أو جنح إلى تعطيل (٢) حاد عن السّنّة المثلى وانحرف عن الطريقة الحسنى. وصفوا الحقّ بالأعضاء ، وتوهّموا في نعته الأجزاء ، فما قدروه حقّ قدره ؛ فالخلق في قبضة قدرته ، والسماوات مطويات بيمينه ، ويمينه قدرته (٣). ولأنه أقسم أن يفنى السماوات ويطويها فهو قادر على ذلك.
(سُبْحانَهُ وَتَعالى) تنزيها له عما أشركوا في وصفه.
قوله جل ذكره : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨))
فى النفخة الأولى تموتون ، ثم في النفخة الثانية تحشرون ، والنفختان متجانستان ؛ ولكنه يخلق عند إحداهما إزهاق الأرواح ، وفي الأخرى حياة النفوس ؛ ليعلم أن النفخة لا تعمل شيئا لعينها (٤) ، وإنما الجبّار بقدرته يخلق ما يشاء.
قوله جل ذكره : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ
__________________
(١) أتى النبي صلىاللهعليهوسلم رجل من أهل الكتاب فقال : يا أبا القاسم بلغك أن الله يحمل الخلائق على أصبع والأرضين على أصبع والشجرة على أصبع والثرى على أصبع! فضحك رسول الله (ص) حتى بدت نواجذه ، فأنزل الله تعالى : «وما قدروا الله حق قدره» (الواحدي ص ٢٥٠).
(٢) (التعطيل على ثلاثة أقسام : تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه ، وتعطيل الصانع ـ سبحانه ـ عن كماله المقدس بتعطيل أسمائه وصفاته وأفعاله ، وتعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد .. ومن هذا شرك طائفة أهل وحده الوجود الذين يقولون ما ثم خالق ولا مخلوق (الجواب الكافي ص ٩٠ لابن القيم ط التقدم).
(٣) نحسب أن من دواعى التأويل أن الله سبحانه وتعالى قد يخاطبنا عن ذاته وصفاته بما نتخاطب به فيما بيننا حتى نفهم ، والآية تشير إلى ذلك في وضوح فقد عبر عن قدرته مرة بالقبضة ومرة باليمين ، ومعنى هذا أن الله يقدر على قبض الأرض وجميع ما فيها قدرة أحدنا على ما يحمل بأصبعه.
(٤) كلام القشيري عن تجانس النفختين واختلاف تأثيريهما ، ثم كلامه بعد قليل عن تجانس السوقين واختلاف وجهتيهما .. مقصود منه ـ كما نظن ـ أن القياس الإنسانى ليس دائما على صواب ، مثال ذلك قوله تعالى : «مطويات بيمينه» ، ونسبة الوجه واليد والعين .. ونحو ذلك لله سبحانه ليس بالضرورة أن يكون على نحو ما يفهم الإنسان من هذه الماديات ، فالكلمة هي الكلمة .. ولكن شتان بين الدلالة هنا والدلالة هناك .. والله أعلم بمقصود القشيري .. ولكن هكذا نظن.