سخّر الله لسليمان ـ عليهالسلام ـ الجنّ والطير ، فكان الجنّ مكلّفين ، والطير كانت مسخّرة إلا أنه كان عليها شرع ، وكذلك الحيوانات التي كانت في وقته ، حتى النمل كان سليمان يعرف. خطابهم وينفذ عليهم حكمه.
قوله جل ذكره : (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨))
قيل إن سليمان استحضر أمير النمل الذي قال لقومه : (ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) وقال له :
أما علمت أنّى معصوم ، وأنّى لن أمكّن عسكرى من أن يطئوكم؟ فأخبره أمير النمل أنّه لا يعلم ذلك ؛ لأنه ليس بواجب أن يكون النمل عالما بعصمة سليمان. ولو قال : لعلكم أبيح لكم ذلك .. لكان هذا أيضا جائزا.
وقيل إن ذلك النمل قال لسليمان : إنى أحمل قومى على الزهد في الدنيا ، وخشيت إن يروكم في ملككم أن يرغبوا فيها (١) ، فأمرتهم بدخول مساكنهم لئلا يتشوّش عليهم زهدهم.
ولئن صحّ هذا ففيه دليل على وجوب سياسة الكبار لمن هو في رعيتهم. وفي الآية دليل على حسن الاحتراز ممّا يخشى وقوعه ، وأنّ ذلك مما تقتضيه عادة النّفس وما فطروا عليه من التمييز.
ويقال إن ذلك النمل قال لسليمان : ما الذي أعطاك الله من الكرامة؟.
فقال : سخّر لى الريح.
فقال : أما علمت أنّ الإشارة فيه أنه ليس بيدك مما أعطيت إلا الريح؟ (٢).
وهكذا بيّنه الكبير على لسان الصغير!.
قوله جلّ ذكره : (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها)
__________________
(١) الضمير فى (فيها) يعود على الدنيا.
(٢) أي أنه عطاء زائل لا مكث له ولا قرار.