(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) الذي جعل سكونكم معه ، وانزعاجكم له ، واشتياقكم إليه ، ومحبتكم فيه ، وانقطاعكم إليه.
قوله جل ذكره : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ)
(صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) : خلق العرش والكرسيّ والسماوات والأرضين وجميع المخلوقات ولم يقل هذا الخطاب ، وإنما قال لنا : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) وليس الحسن ما يستحسنه الناس بل الحسن ما يستحسنه الحبيب :
ما حطك الواشون عن رتبة |
|
عندى ولا ضرّك مغتاب |
كأنهم أثنوا ـ ولم يعلموا ـ |
|
عليك عندى بالذي عابوا |
لم يقل للشموس في علائها ، ولا للأقمار في ضيائها : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ).
ولمّا انتهى إلينا قال ذلك ، وقال : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (١)
ويقال إن الواشين قبّحوا صورتكم عندنا (٢) ، بل الملائكة كتبوا في صحائفكم قبيح ما ارتكبتم .. ومولاكم أحسن صوركم ، بأن محا من ديوانكم الزّلّات ، وأثبت بدلا منها الحسنات ، قال تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) (٣) ، وقال : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) (٤).
قوله جل ذكره : (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ).
ليس الطيب ما تستطيبه النفس إنما الطيب ما يستطيبه القلب ، فالخبز
__________________
(١) آية ٤ سورة التين.
(٢) ربما يقصد القشيري بذلك إبليس الذي استعلى بكونه مخلوقا من نار على آدم المخلوق من الطين.
(٣) آية ٣٩ سورة الرعد.
(٤) آية ٧٠ سورة الفرقان.