وقال قوم إنما عرف أن الهدهد يعرف أعماق الماء بإلهام خصّ به ، وأنّ سليمان كان قد نزل منزلا ليس به ماء ، فطلب الهدهد ليديهم إلى مواضع الماء ، وهذا ممكن ؛ لأن في الهدهد كثرة. وغيبة واحد منها لا يحصل منها خلل ـ اللهم إلّا إن كان ذلك الواحد مخصوصا بمعرفة مواضع وأعماق الماء .. والله أعلم.
وروى أن ابن عباس سئل عن ذلك ، وأنه قيل له : إن كان الهدهد يرى الماء تحت التراب ويعرفه فكيف لا يرى الفخّ مخفيّا تحت التراب؟.
فقال : إذا جاء القضاء عمى البصر.
ويقال : إن الطير كانت تقف فوق رأس سليمان مصطفة ، وكانت تستر انبساط الشمس وشعاعها بأجنحتها ، فوقع شعاع الشمس على الأرض ، فنظر سليمان فرأى موضع الهدهد خاليا منه ، فعرف بذلك غيبته .. وهذا أيضا ممكن ، ويدل على كمال تفقّده ، وكمال تيقّظه ـ كما ذكرنا.
قوله جل ذكره : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١))
فى هذه الآية دليل على مقدار الجرم ، وأنه لا عبرة بصغر الجثة وعظمها. وفيه دليل على أن الطير في زمانه كانت في جملة التكليف ، ولا يبعد الآن أن يكون عليها شرع ، وأنّ لهم من الله إلهاما وإعلاما ؛ وإن كان لا يعرف ذلك على وجه القطع.
وتعيين (١) ذلك العذاب الشديد غير ممكن قطعا ، إلا تجويزا واحتمالا.
وعلى هذه الطريقة يحتمل كلّ ما قيل فيه.
ويمكن أن يقال فإن وجد في شىء نقل فهو متّبع.
وقد قيل هو نتف ريشه وإلقاؤه في الشمس.
__________________
(١) واضح هنا طريقة مناقشة القشيري لشىء لم يرد به النقل ، وكيف يعطى النقل أهمية وتقديرا ، فإذا لم يكن نقل فينبغى التجويز لا القطع.
وواضح كذلك مدى استغلاله لهذا الموقف في توجيه كلامه للمريدين والطالبين بطريق غير مباشر.