إن أسرفتم في خلافكم؟ لا ... إننا لا نرفع التكليف بأن خالفتم ، ولا نهجركم ـ بقطع الكلام عنكم ـ إن أسرقتم.
وفي هذا إشارة لطيفة وهو أنه لا يقطع الكلام ـ اليوم ـ عمّن تمادى في عصيانه ، وأسرف في أكثر شانه. فأحرى أنّ من لم يقصّر في إيمانه ـ وإن تلطّخ بعصيانه ، ولم يدخل خلل في عرفانه ـ ألا يمنع عنه لطائف غفرانه (١).
قوله جل ذكره : (وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٧))
ما أتاهم من رسول فقابلوه بالتصديق ، بل كذّب به الأكثرون وجحدوا ، وعلى غيّهم أصرّوا ...
(فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً)
أي لم يعجزنا أحد منهم ، ولم نغادر منهم أحدا ، وانتقمنا من الذين أساءوا.
قوله جل ذكره : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩))
كانوا يقرّون بأنّ الله خالقهم ، وأنّه خلق السماوات والأرض ، وإنما جحدوا حديث الأنبياء ، وحديث البعث وجوازه.
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠))
كما جعل الأرض قرارا لأشباحهم جعل الأشباح قرارا لأرواحهم ؛ فالخلق سكّان الأرض ، فإذا انتهت المدة ـ مدة كون النفوس على الأرض ـ حكم الله بخرابها .. كذلك إذا فارقت الأرواح الأشباح بالكليّة قضى الله بخرابها.
__________________
(١) هكذا تتجلى نزعة الأمل والتفاؤل عند هذا الصوفي حيث يحاول في إشارته أن يبين كيف أن رحمة الله تمتد لتشمل المؤمنين العصاة حتى من أسرف منهم على نفسه.