(الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) (قيل هو آصف) (١) وكان صاحب كرامة. وكرامات الأولياء ملتحقة بمعجزات الأنبياء ، إذ لو لم يكن النبيّ صادقا في نبوته لم تكن الكرامة تظهر على من يصدّقه ويكون من جملة أمته.
ومعلوم أنه لا يكون في وسع البشر الإتيان بالعرش بهذه السرعة ، وأن ذلك لا يحصل إلا بخصائص قدرة الله تعالى. وقطع المسافة البعيدة في لحظة لا يصح تقديره في الجواز إلا بأحد وجهين : إمّا بأن يقدّم (٢) الله المسافة بين (العرش وبين منزل سليمان) (٣) ، وإمّا بأن يعدم العرش ثم يعيده في الوقت الثاني بحضرة سليمان. وأيّ واحد من القسمين كان ـ لم يكن إلّا من قبل الله ، فالذى كان عنده علم من الكتاب دعا الله ـ سبحانه ـ واستجاب له في ذلك ، وأحضر العرش ، وأمر سليمان حتى غيّر صورته فجعل أعلاه أسفله ، وأسفله أعلاه ، وأثبته على تركيب آخر غير ما كان عليه.
ولمّا رأى سليمان ذلك أخذ في الشكر لله ـ سبحانه ـ والاعتراف بعظم نعمه ، والاستحياء ، والتواضع له ، وقال : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) لا باستحقاق منى ، ولا باستطاعة من غيرى ، بل أحمد النعمة لربّى حيث جعل في قومى ومن أمتى من له الجاه عنده فاستجاب دعاءه.
وحقيقة الشكر ـ على لسان العلماء ـ الاعتراف بنعمة المنعم على جهة الخضوع والأحسن أن يقال الشكر هو الثناء على المحسن بذكر إحسانه ، فيدخل في هذا شكر الله للعبد لأنه ثناء منه على العبد بذكر إحسان العبد ، وشكر العبد ثناء على الله بذكر إحسانه .. إلّا إنّ إحسان الحقّ هو إنعامه ، وإحسان العبد طاعته وخدمته لله ، وما هو الحميد من أفعاله.
فأمّا على طريق أهل المعاملة وبيان الإشارة : فالشكر صرف النعمة في وجه الخدمة.
__________________
(١) ما بين القوسين موجود في م وغير موجود في ص.
(٢) فى م (يعدم) بالعين ، وإعدام المسافة أي جعلها في حكم العدم مقبول في المعنى ، وينسجم مع جعل العرش في حكم العدم وإعادة خلقه من جديد .. وكذلك تقديم المسافة (بالقاف) مقبول حتى يصبح نقله من مكان إلى مكان قريب ميسورا ، فالإعدام أو التقديم كلاهما مقبول لأن القدرة الإلهية تشملهما.
(٣) هكذا في م ولكنها في ص (بين القريتين) أي قرية سليمان وقرية بلقيس.