مضى الكلام في هذه الآية.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ)
الأنعام تأكل من أي موضع بلا تمييز ، وكذلك الكافر لا تمييز له بين الحلال والحرام. [كذلك الأنعام ليس لها وقت لأكلها ؛ بل في كل وقت تقتات وتأكل ، وكذلك الكافر ، وفي الخبر : «إنه يأكل في سبعة أمعاء». أمّا المؤمن فيكتفى بالقليل كما في الخبر : «إن كان ولا بد فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس» و «ما ملأ ابن آدم وعاء شرّا من بطنه»] (١).
قوله جل ذكره : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ)
«أَهْلَكْناهُمْ» : يعنى بها من أهلكهم من القرون الماضية في الأعصر الخالية.
قوله جل ذكره : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤))
«البينة» : الضياء والحجّة ، والاستبصار بواضح المحجة : فالعلماء في ضياء برهانهم ، والعارفون في ضياء بيانهم (٣) ؛ فهؤلاء بأحكام أدلة الأصول يبصرون ، وهؤلاء بحكم الإلهام والوصول يستبصرون.
__________________
(١) ما بين القوسين الكبيرين ساقط بتمامه من ص وثابت في م ، وهذه الأخبار موجودة في الجامع الصغير ح ٢ ص ١٥٣ وفي كتاب «الأطعمة» بالجزء الثالث من صحيح البخاري ، «والأذكار» للنووى. وتكملة الخبر الأول : عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله (ص) : يأكل المسلم في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء ، وروى كذلك عن ابن عمر.
(٢) عن ابن عباس قال : لما خرج النبي (ص) من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال : «اللهم أنت أحب البلاد إلى الله وأنت احب البلاد إليّ ولو لا المشركون أهلك أخرجونى لما خرجت منك» فنزلت الآية ـ ذكره الثعلبي ، وهو حديث صحيح.
(٣) هكذا في ص وهي في م (ثباتهم) ولكن ما في ص هو الأصوب ؛ لأننا نعرف من مذهب القشيري أن (البيان) للمعارفين والبرهان لأرباب العلم.