ويقال : شاهدا من قبلنا ، ومبشّرا بأمرنا ، ونذيرا من لدنّا ولنا ومنا.
قوله جل ذكره : (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩))
قرىء (١) : «ليؤمنوا» بالياء ؛ لأن ذكر المؤمنين جرى ، أي ليؤمن المؤمنون بالله ورسوله ويعزروه وينصروه أي الرسول ، ويؤقروه : أي يعظّموا الرسول. وتسبّحوه : أي تسبّحوا الله وتنزهوه بكرة وأصيلا (٢).
وقرىء : (لِتُؤْمِنُوا) ـ بالتاء ـ أيها المؤمنون بالله ورسوله وتعزروه ـ على المخاطبة. وتعزيره يكون بإيثاره بكلّ وجه على نفسك ، وتقديم حكمه على حكمك. وتوقيره يكون باتباع سنّته ، والعلم بأنه سيّد بريّته (٣).
قوله جل ذكره : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ)
وهذه البيعة هي بيعة الرضوان بالحديبية تحت سمرة (٤).
وذلك أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بعث عثمان رضى الله عنه إلى قريش ليكلّمهم فأرجفوا بقتله. وأتى عروة بن مسعود (٥) إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وقال :
جئت بأوشاب الناس لتفضّ بيضتك بيدك ، وقد استعدت قريش لقتالك ، وكأنّى بأصحابك
__________________
(١) قراءة ابن كثير وابن محيصن وأبى عمرو ... وكذلك «يسبحوه» بالياء ، والباقون بالتاء على الخطاب
(٢) ونلاحظ أن القشيري قد توقف قبل تسبحوه فجعلها بالتاء ، وهناك من المفسرين من يرى ذلك أيضا (انظر القرطبي ح ١٦ ص ٢٦٧).
(٣) عزرت الرجل أي رددت عنه ونصرته وأيّدته ـ وهو من الأضداد ـ لأنه قد يأتى بمعنى أدّبته ولسته.
(٤) إشارة إلى قوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) والسمرة : شجرة الطلح.
(٥) جاء في السيرة لابن إسحاق ـ ٣ ص ٧٧٨.
بعد أن خرج الرسول صلىاللهعليهوسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت ، فلما سمعت قريش بذلك استعدت لقتاله مع أنه لم يكن ينوى قتالا وتعاقبت السفراء بينه وبينهم ، وكان كل سفير من قريش يذهب إلى النبي ثم يعود ليقنع قريش بحقيقة نية النبي ولكنهم كانوا لا يرضون بما جاء به ، حتى جاء دور عروة بن مسعود الثقفي ـ وهو عند قريش غير متهم وقال للنبى «إن قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل ، قد لبسوا جلود النمور ، يعاهدون الله لا تدخلها أبدا عليهم عنوة. وحينما قال عروة : وايم الله لكأنى بهؤلاء ـ يريد أصحاب الرسول ـ قد انكشفوا عنك غدا. فانبرى أبوبكر قائلا : أنحن ننكشف عنه ... إلخ.