يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧))
هؤلاء أصحاب الأعذار .. رفع عنهم الحرج في تخلفهم عن الوقعة في قتال المشركين.
وكذلك من كان له عذر في المجاهدة مع النفس .. فإنّ الله يحبّ أن تؤتى رخصه كما كما يحب أن تؤتى عزائمه (١).
قوله جل ذكره : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨))
هذه بيعة الرضوان ، وهي البيعة تحت الشجرة بالحديبية ، وسميت بيعة الرضوان لقوله تعالى (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ ...).
وكانوا ألفا وخمسمائة وقيل وثلاثمائة وقيل وأربعمائة. وكانوا قصدوا دخول مكة ، فلما بلغ ذلك المشركين قابلوهم صادّين لهم عن المسجد الحرام مع أنه لم يكن خارجا لحرب ، فقصده المشركون ، ثم صالحوه على أن ينصرف هذا العام ، ويقيم بها ثلاثا ثم يخرج ، (وأن يكون بينه وبينهم صلح عشرة أعوام بتداخل فيها الناس ويأمن بعضهم بعضا) (٢) وكان النبي قد رأى في منامه أنهم يدخلون المسجد الحرام آمنين ، فبشر بذلك أصحابه ، فلما صدهم المشركون خامر قلوبهم شىء ، وعادت إلى قلوب بعضهم تهمة حتى قال الصّدّيق : لم يقل العام! فسكنت قلوبهم بنزول الآية ؛ لأن الله سبحانه علم ما في قلوبهم من الاضطراب والتشكك. فأنزل السكينة في قلوبهم ،
__________________
(١) هذه لفتة هامة جدا ، حيث لم نتعود من القشيري في سائر مصنفاته أن يستجيز الرخصة. وربما هو يتحدث هنا عن عامة المسلمين ، ولكن حينما يتحدث عن الصوفية يعتبر اللجوء إلى الرخصة بمثابة فسخ عقد الإرادة (أنظر الرسالة ص ١٩٩).
(٢) ما بين الأقواس تكملة من عندنا اعتمدنا فيها على المصادر المختلفة. أوردناها ليتضح الساق