(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (٤))
فى هذا تسلية للعبد فإنه إذا وسّد التراب ، وانصرف عنه الأصحاب ، واضطرب لوفاته الأحباب. فمن يتفقّده ومن يتعهّده ... وهو في شفير قبره ، وليس لهم منه شىء سوى ذكره ، ولا أحد منهم يدرى ما الذي يقاسيه المسكين في حفرته؟ فيقول الحقّ ـ سبحانه : (قَدْ عَلِمْنا ...) ولعلّه يخبر الملائكة قائلا : عبدى الذي أخرجته من دنياه ـ ماذا بقي بينه من يهواه؟ هذه أجزاؤه قد تفرّقت ، وهذه عظامه بليت ، وهذه أعضاؤه قد تفتّتت!
(وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) : وهو اللّوح المحفوظ ؛ أثبتنا فيه تفصيل أحوال الخلق من غير نسيان ، وبيّنّا فيه كلّ ما يحتاج العبد إلى تذكّره.
قوله جل ذكره : (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥))
(مَرِيجٍ) أي مختلط وملتبس ؛ فهم يتردّدون في ظلمات تحيّرهم ، ويضطربون في شكّهم.
قوله جل ذكره : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦))
أولم يعتبروا؟ أولم يستدلّوا بما رفعنا فوقهم من السماء ، رفعنا سمكها فسوّيناها ، وأثبتنا فيها الكواكب وبها زيّناها ، وأدرنا فيها شمسها وقمرها؟ أولم يروا كيف جلّسنا عينها ونوّعنا أثرها؟
(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧))
والأرض مددناها ؛ فجعلناها لهم مهادا ، وجعلنا لها الجبال أوتادا ، وأنبتنا فيها أشجارا وأزهارا وأنوارا .. كل ذلك :