ويقال : الخشية من الله تقتضى العلم بأنه يفعل ما يشاء وأنه لا يسأل عمّا يفعل.
ويقال : الخشية ألطف من الخوف ، وكأنها قريبة من الهيبة (١).
(وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) : لم يقل بنفس مطيعة بل قال : بقلب منيب ليكون للعصاة في هذا أمل ؛ لأنهم ـ وإن قصّروا بنفوسهم وليس لهم صدق القدم ـ فلهم الأسف بقلوبهم وصدق النّدم.
قوله جل ذكره : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤))
أي يقال لهم : ادخلوها بسلامة من كل آفة ، ووجود رضوان ولا يسخط عليكم الحقّ أبدا.
ومنهم من يقول له الملك : ادخلوها بسلام ، ومنهم من يقول له : لكم ما تشاءون فيها قال تعالى :
(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥))
لم يقل : «لهم ما يسئلون» بل قال : (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ) : فكلّ ما يخطر ببالهم فإنّ سؤلهم يتحقق لهم في الوهلة ، وإذا كانوا اليوم يقولون : ما يشاء الله فإنّ لهم غدا منه الإحسان .. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
(وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) : اتفق أهل التفسير على أنه الرؤية ، والنظر إلى الله سبحانه (٢). وقوم يقولون : المزيد على الثواب في الجنة ـ ولا منافاة بينهما.
__________________
(١) يقول الدقاق شيخ القشيري : هي مراتب : الخوف والخشية والهيبة : فالخوف من شرط الإيمان (وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) والخشية من شرط العلم : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ). والهيبة من شرط المعرفة : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ). وقال أبو القاسم الحكيم : الخوف على ضربين : رهبة وخشية ؛ فصاحب الرهبة يلتجىء إلى الهرب إذا خاف وصاحب الخشية يلتجىء إلى الرب (الرسالة ص ٦٥).
(٢) أجمعوا على أن الله تعالى يرى بالأبصار في الآخرة ، وأنه يراه المؤمنون دون الكافرين ؛ لأن ذلك كرامة من الله تعالى لقوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ). وجوزّوا الرؤية بالعقل وأوجبوها بالسمع ؛ وإنما جاز في العقل لأنه موجود ، وكل موجود تجوز رؤيته إذا وضع الله سبحانه فينا الرؤية له ، ولو لم تكن الرؤية جائزة عليه لكان سؤال موسى عليهالسلام : «أرنى أنظر إليك» جهلا وكفرا. وجاء السمع بوجوبه في مثل :