ويصحّ أن يكون كلاهما من العبد ؛ أي : هل جزاء من آمن بنا إلّا أن يثبت في المستقبل على إيمانه؟ وهل جزاء من عقد معنا عقد الوفاء إلا أن يقوم بما يقتضيه بالتفصيل؟.
ويقال : هل جزاء من بعد عن نفسه إلّا أن نقرّبه منّا؟
وهل جزاء من فنى عن نفسه إلّا أن يبقى بنا؟.
وهل جزاء من رفع لنا خطوة إلّا أن نكافئه بكل خطوة ألف حظوة.
وهل جزاء من حفظ لنا طرفه إلا أن نكرمه بلقائنا؟.
قوله جل ذكره : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣) مُدْهامَّتانِ (٦٤))
هما جنتان غير هاتين اللتين ذكرتا ؛ جنتان أخريان. وليس يريد دونهما في الفضل ، ولكن يريد (جَنَّتانِ) سواهما (١).
(مُدْهامَّتانِ)
أي : خضراوان خضرة تضرب إلى السواد. فالدهمة السواد (٢) والفعل منه ادهامّ والاسم منه مدهامّ ، وللمؤنث مدهامّة ، ولتثنية المؤنث مدهامتان.
(فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦))
والنّضخ فوران العين بالماء.
(فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨))
الأسماء متشابهة ... والعيون (٣) فلا.
(فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠))
__________________
(١) قارن ذلك برأى النسفي الذي يقول : هما جنتان من دون تينك الجنتين الموعودتين للمقربين وهما لمن دونهم من أصحاب اليمين وفي موضع آخر من الصفحة ذاتها يقول النسفي : وإنما تقاصرت صفات هاتين الجنتين عن الأوليين لأن مدهامتان دون (ذواتا أفنان) ونضاختان دون (تجريان) وفاكهة (دون كل فاكهة) (النسفي ح ٤ ص ٢١٣).
(٢) هذا رأى الخليل أيضا.
(٣) ربما يقصد القشيري (والأعيان) فهذا هو الاصطلاح المألوف استعماله في علمى الفلسفة والكلام ـ بل إن القشيري نفسه يستعمله في مثل هذا الموضع. والمقصود أن القرآن يتحدث عن نعيم الجنة حسب أفهام الناس ، ولكن الأعيان غير الأسماء.