أي شىء لكم في ترككم الإيمان بالله وبرسوله ، وما أتاكم به من الحشر والنشر ، وقد أزاح العلّة بأن ألاح لكم الحجّة ، وقد أخذ ميثاقكم وقت الذّرّ ، وأوجب عليكم ذلك بحكم الشّرع.
قوله جل ذكره : (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٩))
ليخرجكم من ظلمات الجهل إلى نور العلم ، ومن ظلمات الشكّ إلى نور اليقين.
وكذلك يريهم في أنفسهم من الآيات بكشوفات السّرّ وما يحصل به التعريف مما يجدون فيه النفع والخير ؛ فيخرجهم من ظلمات التدبير (١) إلى سعة فضاء التفويض ، وملاحظة فنون جريان المقادير.
وكذلك إذا أرادت النّفس الجنوح إلى الرّخص والأخذ بالتخفيف (٢) وما تكون عليه المطالبة بالأشقّ ـ فإن بادر إلى ما تدعوه الحقيقة إليه وجد في قلبه من النور ما يعلم به ظلمة هواجس النّفس (٣).
قوله جل ذكره : (وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)
ما في أيديكم ميراثه لله ، وعن قريب سينقل إلى غيركم ولا تبقون بتطاول أحمالكم. وهو بهذا يحثهم على الصدقة والبدار إلى الطاعة وترك الإخلاد إلى الأمل .. ثم قال :
(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً
__________________
(١) أي ظلمات التدبير الإنسانى ، والتعويل على النفس ، فاعتماد الإنسان على تدبيره مجلبة لشقائه .. وأنيّ للطين أن يكون ذا تدبير؟!
(٢) هكذا في م وهي الصواب أما (التحقيق) التي في ص فهى خطأ في النسخ ؛ لأن الأسير خاص جنوح إلى (التخفيف) كما نعلم
(٣) يتفق هذا مع قول الرسول الكريم «استفت قلبك ولو أفتاك المفتون».