قوله جل ذكره : (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨))
إنما وقع لهم الغلط في تعيين الأعزّ والأذلّ ؛ فتوهّموا أنّ الأعزّ هم المنافقون ، والأذلّ هم المسلمون ، ولكن الأمر بالعكس ، فلا جرم غلب الرسول صلىاللهعليهوسلم والمسلمون ، وأذلّ المنافقون بقوله : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) : لله عزّ الإلهية ، وللرسول عزّ النبوّة ، وللمؤمنين عزّ الولاية .. وجميع ذلك لله ؛ فعزّة القديم صفته ، وعزّ الرسول وعزّ المؤمنين له فعلا ومنّة وفضلا ، فإذا لله العزّة جميعا.
ويقال : كما أنّ عزّة الله ـ سبحانه ـ لا زوال لها فعزّة الأنبياء بأن لا عزل لهم ، وعزّة المؤمنين بألا يبقى منهم مخلّد في النار.
ويقال : من كان إيمانه حقيقيا فلا زوال له.
ويقال : من تعزّز بالله لم يلحقه تغيّر عن حاله بغير الله.
ويقال : لا عزّ إلّا في طاعة الله ، ولا ذلّ إلّا في معصية الله ... وما سوى هذا فلا أصل له.
قوله جل ذكره : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩))
لا تضيّعوا أمور دينكم بسبب أموالكم وأولادكم بل آثروا حقّ الله ، واشتغلوا به يكفكم أمور دنياكم وأولادكم ؛ فإذا كنت لله كان الله لك (١).
__________________
(١) لنتذكر ما قلناه في مدخل هذا الكتاب بأن القشيري نفسه قد ضرب المثل على ذلك حين هاجر من بلده تاركا أهله في رعاية الله حينما تعرّضت عقيدته للمحنة.