(وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) : أي غير منقوص .. لمّا سمت همّته صلىاللهعليهوسلم عن طلب الأعواض أثبت الله له الأجر ، فقال له : إن لك لأجرا غير منقوص ـ وإن كنت لا تريده.
ومن ذلك الأجر العظيم هذا الخلق ، فأنت لست تريد الأجر ـ وبنا لست تريد ؛ فلو لا أن خصصناك بهذا التحرّر لكنت كأمثالك في أنهم في أسر الأعواض.
قوله جل ذكره : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)
كما عرّفه الله سبحانه أخبار من قبله من الأنبياء عرّفه أنه اجتمعت فيه متفرقات أخلاقهم فقال له : إنك لعلى خلق عظيم.
ويقال : إنه عرض عليه مفاتيح الأرض فلم يقبلها ، ورقّاه ليلة المعراج ، وأراه جميع الملكة والجنة فلم يلتفت إليها ، قال تعالى : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) فما التفت يمينا ولا شمالا ، ولهذا قال تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) .. ويقال : (لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) : لا بالبلاء تنحرف ، ولا بالعطاء تنصرف ؛ احتمل صلوات الله عليه في الأذى شجّ رأسه وثغره ، وكان يقول :
«اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون». وغدا كلّ يقول : نفسى نفسى وهو صلوات الله عليه يقول : أمتى أمتى.
ويقال : علّمه محاسن الأخلاق بقوله : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (١).
سأل صلوات الله عليه جبريل : بماذا يأمرنى ربى؟ قال : يأمرك بمحاسن الأخلاق ؛ يقول لك : صل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمّن ظلمك ، فتأدّب بهذا ؛ فأثنى عليه وقال : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
قوله جل ذكره : (فستبصر ويبصرون بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦))
__________________
(١) آية ١٩٩ سورة الأعراف.