يناجى ما التفت ؛ أي لم يخرج عن صلاته ولم يلتفت يمينا وشمالا في التسليم الذي هو التحليل (١).
قوله جل ذكره : (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ).
عند ما انقلبت العصا حيّة ولّى موسى مدبرا ولم يعقب ، وكان موضع ذلك أن يقول : حديث أوّله تسليط ثعبان! من ذا يطيق أوّله؟!.
فقيل له : لا تخف يا موسى ؛ إن الذي يقدر أن يقلب العصا حية يقدر أن يخلق لك منها السلامة : (يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) : ليس المقصود من هذا أنت ، إنما أثبت هذا لأسلطه على عدوّك ، فهذه معجزتك إلى قومك ، وآيتك على عدوّك.
ويقال : شتان بين نبيّنا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وبين موسى عليهالسلام ؛ رجع من سماع الخطاب وأتى بثعبان سلّطه على عدوّه ، ونبينا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ رجع بعد ما أسرى به إلى السماء ، وأوحى إليه ما أوحى ـ ليوافى أمّته بالصلاة التي هي المناجاة ، وقيل له : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، فقال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين».
قوله جل ذكره : (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢))
قيل له : اسلك يدك في جيبك ؛ لأنّ المدرعة التي كانت عليه لم يكن لها كم. وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغى على المرء للوصول إلى مراده ومقصوده أن يتشمّر ، وأن يجدّ ،
__________________
(١) التحليل : الإباحة ، والمقصود هنا أنه عقيب التسليم يحل له أن يخاطب الخلق وأن يشتغل بشىء بعد ما تمت مناجاته مع الحق ، تلك المناجاة التي يؤثر القشيري دوامها واستمرارها. ومعلوم أن الصوفية إذا أنهوا صلاتهم يستمرون في الذكر والتأمل دون حدود.