لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣))
إنما تطيب المنازل إذا خلت من الأجانب ، وأطيب المساكن ما كانت زينتها بفقد الرّقباء وغيبتهم ، فلمّا أهلك الله فرعون وقومه ، وأورث بنى إسرائيل أموالهم وديارهم ، ومحا عن جميعها آثارهم ـ طاب لهم العيش وطلعت عليهم شموس السعادة.
قوله جل ذكره : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤))
لم تكن حاضرا فتعرف ذلك مشاهدة ، ولكنهم رأوا أنّ إخبارك عنهم بحيث لا يكذبك كتابهم. وبالضرورة عرفوا حالك ، وكيف أنّك لم تعلم هذا من أحد ، ولا قرأته من كتاب ، لأنّك أمّيّ لا تحسن القراءة ، وإذا فليس إخبارك إلا بتعريفنا إياك ، واطلاعنا لك على ذلك.
ويقال : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ) : وما كنت بجانب الطور إذ نادينا موسى ، وكلّمناه ، وخاطبناه في بابك وباب أمّتك ، ولم تقدح غيبتكم في الحال ، وكونى لكم خير من كونكم لكم.
ويقال : لمّا خاطب موسى وكلّمه سأله موسى : إنّى أرى في التوراة أمّة صفتهم كذا وكذا .. من هم؟ وسأل عن أوصاف كثيرة ، وعن الجميع كان يجاب بأنّها أمة أحمد (١) ، فاشتاق موسى إلى لقائنا ، فقال له : إنه ليس اليوم وقت ظهورهم ، فإن شئت أسمعتك كلامهم ، فأراد أن يسمع كلامنا ، فنادانا وقال : يا أمة أحمد .. ، فأجاب الكلّ من أصلاب آبائهم ، فسمع موسى كلامهم ولم يدركهم (٢). والغنيّ إذا سأله فقير وأجابه لا يرضى بأن
__________________
(١) هكذا في ص وهي في م (أمة محمد) ، ونحسب أن الأرجح أن تكون أحمد طبقا للآية «ومبشرا برسول يأتى من بعدي اسمه أحمد»
(٢) تنسب هذه الرواية إلى وهب (القرطبي ح ١٣ ص ٢٩٢).