ويقال : إنها سدرة المنتهى. ويقال : فوق السماء السابعة. كتاب مرقوم فيه أعمالهم مكتوبة يشهده المقربون (١) من الملائكة.
(إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ)
اليوم وغدا : اليوم في روح العرفان ، وراحة الطاعة والإحسان ، ونعمة الرضا وأنس القربة وبسط الوصلة. وغدا ـ فى الجنة وما وعدوا به من فنون الزلفة والقربة.
قوله تعالى : (عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ)
أثبت النظر ولم يبيّن المنظور إليه لاختلافهم في أحوالهم ؛ فمنهم من ينظر إلى قصوره. ومنهم من ينظر إلى حوره ، ومنهم ومنهم .. ومنهم الخواصّ فهم على دوام الأوقات إلى الله ـ سبحانه ـ ينظرون.
قوله جل ذكره : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ)
من نظر إليهم علم أنّ أثر نظره إلى مولاه ما يلوح على وجهه من النعيم ؛ فأحوال المحبّ شهود عليه أبدا. فإن كان الوقت وقت وصال فاختياله ودلاله ، وسروره وحبوره ، ونشاطه وانبساطه. وإن كان الوقت وقت غيبة وفراق فالشهود عليه نحوله وذبوله ، وحنينه وأنينه ، ودموعه وهجوعه .. وفي معناه قلت (٢).
يا من تغيّر صورتى لمّا بدا |
|
ـ لجميع ما ظنوا بنا ـ تحقيق |
__________________
(١) هكذا في ص وفي م (يشهد) بدون ضمير غائب ، وحسب النسخة الأولى تكون عودة الضمير على الكتاب المرقوم ، وحسب النسخة الثانية يكون الكلام مستمرا خصوصا ولم يبدأ كالعادة بعلامة نشعر ببدء الآية مثل : قوله تعالى أو قوله جل ذكره .. أي : يشهد المقربون أن الأبرار لفى نعيم ، ويتقوّى الرأى الأول بما قاله القشيري منذ قليل : إن الله يطلع بعض المقربين على أسرار خلقه بالقدر الذي يريده سبحانه ، كذلك فإن السياق ـ على الفهم الثاني ـ يقتضى فتح همزة (إن الأبرار ...) ولكنها مكسورة مما يدل على أن الكلام مستأنف ـ اللهم إلا إذا كانت يشهد بمعنى يقسم ـ فالشهادة ترد بمعنى القسم ـ كما مرّ من قبل ... وهمزة إن تكسر بعد القسم.
(٢) نسعد كثيرا جدا بهذا الشعر الذي صاغه القشيري ، فهو شاعر مقلّ ، ولكنه ـ كما هو واضح ـ رقيق دقيق.
وربما كان معنى النص الأول على هذا الترتيب : يا من تغيّر صورتى ـ لمّا بدا ـ تحقيق لجميع ما ظنوا بنا ؛ أي أن ما ظهر على أسرّتى من أشياء حاولت كتمانها قد حقّق ظنون الواشين والعاذلين .. فلا فائدة .. فالصبّ تفضحه عيونه! ونحسب أن ما قبل النص ، وما يقصده النص الثاني يؤيدان تذوقنا على هذا النحو.