حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧))
قالوا نخاف الأعراب على أنفسنا إن صدّقناك ، وآمنّا بك ، (لإجماعهم على خلافنا ولا طاقة لنا بهم) (١) فقال الله تعالى : وكيف تخافونهم وترون الله أظفركم على عدوّكم ، وحكمنا بتعظيم بيتكم ، وجعلنا مكة تجبى إليها ثمرات كل شىء من أقطار الدنيا؟
ويقال من قام بحقّ الله ـ سبحانه ـ سخّر له الكون بجملته ، ومن اشتغل برعاية سرّه لله ، وقام بحقّ الله ، واستفرغ أوقاته في عبادة الله مكّن من التصرّف بهمته في مملكة الله ؛ فالخلق مسخّر له ، والوقت طوع أمره ، والحقّ ـ سبحانه ـ متول (٢) أيامه وأعماله يحقّق ظنّه ، ولا يضيّع حقّه.
أمّا الذي لا يطيعه فيهلك في أودية ضلاله ، ويتيه (٣) فى مفازات خزيه ، ويبوء بوزر هواه.
قوله جل ذكره : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨))
لم يعرفوا قدر نعمتهم ، ولم يشكروا سلامة أحوالهم ، وانتظام أمورهم ، فهاموا في أودية الكفران على وجوههم ، فخرّوا في أودية الصغار على أذقانهم ، وأذاقهم الله من كاسات الهوان ما كسر خمار بطرهم ؛ فأماكنهم منهم خالية ، وسقوفها عليهم خاوية ، وغربان الدمار فيها ناعية.
__________________
(١) ما بين القوسين غير موجود في النص ، ولكنها تتمه لسبب نزول الآية كما أورده الواحدي ، حيث ذكر أن الآية نزلت في الحارث بن عثمان بن عبد مناف الذي قال النبي (ص) : إنا لنعلم أن الذي تقول حق ولكن يمنعنا من اتباعك أنا نخاف .... إلخ (أسباب النزول الواحدي ص ٢٢٨).
(٢) ومن هذا المنطلق يصدر القشيري رأيه فى (الولاية) وما يتصل بها من (الكرامة).
(٣) هكذا في الأصل وهي تحمل معنيين : التكبّر ، والضلال في الأرض.