الذي داخلهم فيه الشّكّ كان بعث الخلق ، فاحتجّ عليهم بما أراهم من إعادة فصول السّنة بعد تقضّيها على الوجه الذي كان في العام الماضي. وبيّن أن جمع أجزاء المكلّفين بعد انقضاض البنية كإعادة فصول السنة ؛ فكما أن ذلك سائغ في قدرته غير مستنكر فكذلك بعث الخلق.
وكما في فصول السنة تتكرر أحوال العبادة في الأحوال العامة المشتركة بين الكافة ، وفي خواص أحوال المؤمنين من استيلاء شهوات النفوس ، ثم زوالها ، إلى موالاة الطاعات ، ثم حصول الفترة ، والعود إلى مثل الحالة الأولى ، ثم بعد ذلك الانتباه بالتوبة .. كذلك تتكرر عليهم الأحوال.
وأرباب القلوب تتعاقب أحوالهم في القبض والبسط ثم في الهيبة والأنس ، ثم في التجلي والسّتر ، ثم في البقاء والفناء ، ثم في السكر (١) والصحو .. وأمثال هذا كثير. وفي هذا المعنى قوله :
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠))
وفي معنى تكرير الأحوال ما أنشدوا :
كلّ نهر فيه ماء قد جرى |
|
فإليه الماء يوما سيعود |
قوله جل ذكره : (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١))
أجناس ما يعذّب به عباده وأنواع ما يرجم به عباده .. لا نهاية لها ولا حصر ؛ فمن ذلك أنه يعذّب من يشاء بالخذلان ، ويرحم من يشاء بالإيمان. يعذّب من يشاء بالجحود والعنود ،
__________________
(١) وردت في ص (الشك) وفي م (السكر) والصواب هذه لأنها تلاثم السياق .. فالسكر والصحو حالان من أحوال الفناء.