(لِما مَعَكُمْ) معناه : لما أوتيتموه [من الكتاب](١) ؛ كما قال : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)(٢) فحمله على المعنى في الضمير ؛ إذ هو بمعنى : فإنّ الله لا يضيع أجرهم ، ولا بدّ من تقدير هذا العائد في الجملة المعطوفة على الصلة ، وهي : (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ.) فهما جملتان لموصولين ، حذف الثاني للاختصار ، وقام حرف العطف مقامه ، فلا بدّ من عائدين في الصلتين على الموصولين ؛ ألا ترى أنّك لو قلت : الذي قام أبوه ، ثم زيد منطلق عمرو ، لم يجز حتى تقول : إليه أو من أجله عمرو ، ونحو ذلك ، فيكون في الجملة المعطوفة ما يعود على الذي (٣) ، كما كان في الجملة التي هي صلة الذي ، ثم تأتي بخبر الابتداء بعد ذلك. ويحتمل أن يكون العائد من الصلة الثانية محذوفا ، تقديره : ثم جاءكم رسول به ، أي بتصديقه ، أي بتصديق ما آتيتكموه ، وهذا الحذف على قياس ما أجاز الخليل (٤) من قولك : ما أنا بالذي قائل لك شيئا ، أي بالذي هو قائل لك شيئا ، وكما قرئ تماما على الّذى أحسن (٥) بالرفع ، أي على الذي هو أحسن ، ثم حذف الضمير من الصلة ؛ وإنما يبعد هذا الحذف عند البصريين ؛ لاتصال الضمير بحرف الجر ، فالمحذوف من الكلام هو ضمير وحرف ، فبعد لذلك. ويجوز أن تكون «ما» ـ في قراءة من فتح اللّام ـ للشرط ، فتكون في موضع نصب ب (آتَيْتُكُمْ) ، و «أتيتكم» (٦) في موضع جزم ب «ما» و (جاءَكُمْ) معطوف عليه في موضع جزم أيضا ، وتكون اللام في «لما» لام التأكيد ، وليست بجواب القسم ، كما كانت في الوجه الأول ، ولكنّها دخلت لتلقّي القسم بمنزلة
__________________
(١) زيادة من (ظ).
(٢) سورة يوسف : الآية ٩٠.
(٣) في (ق ، ظ) : «الذي هو المحذوف ، كما ..».
(٤) الكتاب ١ / ٤٥٥.
(٥) سورة الأنعام : الآية ١٥٤.
(٦) في الأصل «بآتيناكم ، وآتيناكم» وأثبت ما في (ح).