ويجوز في قراءة من لم يهمز أن يكون من الابتداء ، ولكنه سهّل الهمزة. ومن قرأ بالهمز (١) وقدر (٢) في الألف أنها بدل همزة ، فهو أيضا نصب على الظرف ، والعامل فيه أيضا (اتَّبَعَكَ) ، والتقدير عند من جعله من بدا يبدو : ما اتبعك يا نوح إلا الأراذل فيما ظهر لنا من الرأي ، كأنهم قطعوا عليه في أول ما ظهر له من رأيهم ، ولم يتعقبوه بنظر ؛ إنما قالوا : ما ظهر لهم ، من غير تيقن. والتقدير عند من جعله [من](٣) الابتداء فهمز : ما اتبعك يا نوح إلا الأراذل من أوّل الأمر ، أي ما نراك في أوّل الأمر اتبعك إلا الأراذل. وجاز تأخير الظرف بعد (إِلَّا) وما بعدها من الفاعل وصلته ؛ لأنّ الظروف يتّسع فيها ما لا يتسع في المفعولات ؛ فلو قلت في الكلام : ما أعطيت أحدا إلا زيدا درهما ، فأوقعت اسمين مفعولين بعد «إلّا» لم يجز ، لأن الفعل لا يصل ب (إِلَّا) إلى اسمين ؛ إنما يصل إلى اسم واحد ، كسائر الحروف ؛ ألا ترى أنك لو قلت : مررت بزيد عمرو ، فتوصل الفعل إليهما بحرف واحد ، لم يجز ؛ وكذلك لو قلت : استوى الماء والخشبة الحائط ، فنصبت بواو مع (٤) اسمين ؛ لم يجز ، إلا أن تأتي في جميع ذلك بواو العطف فيجوز ، فتصل الفعل إليهما بحرفين. فأمّا قولهم : ما ضرب القوم إلا بعضهم بعضا ؛ فإنما جاز ؛ لأن «بعضهم» بدل من القوم ، فلم يصل الفعل بعد «إلا» إلا إلى اسم واحد (٥).
١١٢٩ ـ قوله تعالى : (تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) ـ ٣١ ـ أصل (تَزْدَرِي) : «تزتري» ، والدال مبدلة من تاء ، لأنّ الدال حرف مجهور ، فقرن بالزاي لأنها مجهورة أيضا ، والتاء مهموسة ، ففارقت الزاي ، وحسن البدل لقرب
__________________
(١) وهي قراءة أبي عمرو ، وقرأ الباقون بغير همز ؛ النشر ٢٧٧/٢ ؛ والتيسير ص ١٢١ ؛ والإتحاف ص ٢٥٥.
(٢) في(ظ ، ق) : «أو قدّر».
(٣) تكملة من : (ظ ، ق ، د).
(٤) في(ق) : «بواو بمعنى مع».
(٥) الكشف ٥٢٦/١ ؛ والبيان ١١/٢ ؛ والعكبري ٢٠/٢ ؛ وتفسير القرطبي ٢٤/٩.