وجعلناها آية للعالمين ، وجعلنا ابنها آية ، ثم حذف الأوّل لدلالة الثاني عليه. وتقديره عن المبرّد على غير حذف ، لكن يراد به التقديم ، تقديره عنده : وجعلناها آية للعالمين وابنها (١).
١٤٨٤ ـ قوله تعالى : (نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) ـ ٨٨ ـ
قرأ ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : بنون (٢) واحدة وجيم مشدّدة ، وكان يجب أن يفتح الياء ، لأنه فعل ماض لم يسمّ فاعله ، ويجب أن ترفع (الْمُؤْمِنِينَ) على هذه القراءة ؛ لأنه مفعول لم يسمّ فاعله ، وفعل ماض لم يسمّ فاعله ؛ لكن أتى على إضمار (٣) المصدر ، أقامه مقام الفاعل ، وهو بعيد ؛ لأنّ المفعول أولى بأن يقوم مقام الفاعل ، وإنما يقوم المصدر مقام الفاعل عند عدم المفعول به ، أو عند اشتغال المفعول به بحرف الجر ، نحو : قيم وسير بزيد. فأما الياء فأسكنها في موضع الفتح ، كما يسكنها في موضع الرفع ، وهو بعيد أيضا ؛ إنما يجوز في الشعر. وقال بعض العلماء : «نجّي» (٤) في هذه القراءة فعل سمي فاعله ، وإنما أدغم النون الثانية في الجيم ، وهو قول بعيد أيضا ؛ لأنّ النون لا تدغم في الجيم إدغاما صحيحا ، يكون منه التشديد ؛ إنما تخفى عند الجيم ، والإخفاء لا يكون معه تشديد.
وقال عليّ بن سليمان : هو في هذه القراءة فعل سمي فاعله ، وأصله : «ننجّي» بنونين وبالتشديد على «نفعّل» ، لكن حذفت النون الثانية لاجتماع النونين ، كما حذفت إحدى التاءين في : تفرّقون ، وتظاهرون ، وشبهه. واستدلّ من قال بهذين القولين الأخيرين على قوله بسكون الياء في «ننجي» ، فدلّ سكونها [على] أنه فعل مستقبل ، وهذا أيضا قول ضعيف ، لأنّ المثلين في مثل هذه الأشياء لا يحذف الثاني استخفافا ،
__________________
(١) البيان ١٦٤/٢ ؛ والعكبري ٧٤/٢ ؛ وتفسير القرطبي ٣٣٨/١١.
(٢) وقراءة الباقين بنونين. التيسير ص ١٥٥ ؛ والنشر ٣١١/٢.
(٣) في الأصل : «فعل» وهو تحريف.
(٤) في الأصل : «ليس هو».