وقال عزوجل (ولله ما فى السّموات وما فى الأرض وإلى الله ترجع الأمور) [الآية ١٠٩] فثنى الاسم وأظهره ، وهذا مثل «أمّا زيد فقد ذهب زيد». قال الشاعر : [الخفيف]
١٥٧ ـ لا أرى الموت يسبق الموت شيء |
|
نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا (١) |
فأظهر في موضع الإضمار.
وقال (لن يضرّوكم إلّا أذى) [الآية ١١١] استثناء يخرج من أول الكلام. وهو كما روى يونس (٢) عن بعض العرب أنه قال : «ما أشتكي شيئا إلّا خيرا». ومثله (لّا يذوقون فيها بردا ولا شرابا (٢٤) إلّا حميما وغسّاقا) (٢٥) [النبأ : ٢٤ ـ ٢٥].
وقال (ضربت عليهم الذّلّة أين ما ثقفوا إلّا بحبل مّن الله) [الآية ١١٢] فهذا مثل (لن يضرّوكم إلّا أذى) [الآية ١١١] استثناء خارج من أول الكلام في معنى «لكنّ» وليس بأشد من قوله (لّا يسمعون فيها لغوا إلّا سلما) [مريم : الآية ٦٢].
وقال (ليسوا سوآء مّن أهل الكتب) [الآية ١١٣] لأنه قد ذكرهم ثم فسره فقال : (مّن أهل الكتب أمّة قائمة يتلونءايت الله) [الآية ١١٣] ولم يقل «وأمّة على خلاف هذه الأمّة» لأنه قد ذكر كل هذا قبل. وقال تعالى (من أهل الكتب) فهذا قد دل على أمة خلاف هذه.
وأما قوله (فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمنكم) [الآية ١٠٦] على «فيقال لهم أكفرتم». مثل قوله (والّذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم) [الزّمر : الآية ٣] وهذا في القرآن كثير.
وقال تعالى (ءانآء الّيل) [الآية ١١٣] وواحد «الآناء» مقصور «إنى» فاعلم. وقال بعضهم : «إني» كما ترى و «إنو» وهو ساعات الليل. قال الشاعر : [البسيط]
__________________
(١) البيت لعدي بن زيد في ديوانه ص ٦٥ ، والأشباه والنظائر ٨ / ٣٠ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٧٨ ، ٣٧٩ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣٦ ، ١١٨ ، ولسوادة بن عدي في شرح أبيات سيبويه ١ / ١٢٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ١٧٦ ، والكتاب ١ / ٦٢ ، ولسوادة أو لعدي في لسان العرب (نغص) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ١٥٣ ، ٢٨٦ ، ٢ / ٨٢٩ ، وخزانة الأدب ٦ / ٩٠ ، ١١ / ٣٦٦ ، والخصائص ٣ / ٥٣ ، ومغني اللبيب ٢ / ٥٠٠.
(٢) يونس : هو يونس بن حبيب الضبي النهري البصري ، تقدمت ترجمته.