المنجّزيّة أن يكون الحاكم بكيفيّة العقاب هو العقل ، بل يكفي أن يحكم العقل بمجرّد استحقاق العقوبة ، وأمّا كيفيّتها وزمان العقوبة ومكانها يمكن العلم بها من طريق النقل وأخبار الصادق المصدّق كما لا يخفى.
وهكذا لا مجال لما قيل من أنّ صفة المنجّزيّة للقطع ليست ذاتيّ باب الكلّيّات الخمس ولا الإعراض اللازمة ، بل لو ثبتت له فإنّما هي من الأحكام التي يحكم بها له العقل العمليّ الذي وظيفته الحكم فيما يتعلّق بتنظيم أمور الأشخاص والجوامع ؛ إذ يحكم بها العقلاء بما أنّهم عقلاء لهم هذا العقل العملي (١).
وذلك لما عرفت من أنّ حكم العقل باستحقاق العقوبة للمخالفة واستحقاق المثوبة للطاعة ليس من ناحية تنظيم أمور المجتمعات ، بل العقل حاكم به ولو لم يكن نظام ومجتمع وإنّما هو من جهة ملائمة العدل للعقل ومنافرة الظلم له ، وهذا الحكم من العقل من البديهيّات العقليّة بعد وجود القطع بالحكم ومترتّب عليه قهرا.
وعليه فالمنجّزيّة ليست من ذاتيّات القطع أو من لوازم ماهيّة القطع ، بل هي من لوازم وجود القطع ، فإذا قطع الإنسان بحكم حكم العقل بالتنجيز أي استحقاق العقوبة من جهة مخالفة الحكم والتكليف.
ثمّ لا يخفى عليك أنّ ظاهر العبارات أنّ المعذّريّة أيضا من لوازم وجود القطع كالمنجّزيّة ؛ إذ العقل يدرك عدم صحّة عقاب العامل بقطعه عند مخالفة قطعه مع الواقع.
ولكن أورد عليه سيّدنا الإمام المجاهد قدسسره بأنّ ثبوت العذر على تقدير عدم الإصابة لا يكون من أحكام القطع ؛ لأنّ المعذورية إنّما هو بسبب الجهل بالواقع وعدم
__________________
(١) تسديد الاصول ٢ : ٧.