العقاب على مخالفة التكليف المعلوم من جهة كونها هتكا للمولى لا يحتاج إلى تطابق الآراء ، بل العقل مدرك لذلك ولو لم يكن اجتماع ، كما أنّ حسن العدل وقبح الظلم ثابت ولو لم يكن اجتماع أو لم يلزم اختلال للنظام لملاءمة العدل مع القوّة العاقلة ومنافرة الظلم معها.
والملاءمة والمنافرة للقوّة العاقلة تكفي في إدراج القضيّة في اليقينيّات. وعليه فعدم الاحتياج إلى تطابق الآراء ممّا يشهد على أنّه ليس من القضايا المشهورة بالمعنى الأخصّ ، وأمّا بالمعنى الأعمّ فلا مانع منه ، لأنّها هي التي تطابقت على الاعتقاد بها آراء العقلاء كافّة وإن كان الذي يدعو إلى الاعتقاد المذكور كون القضيّة من اليقينيّات.
هذا ، مضافا إلى ما في مصباح الاصول من أنّ الأوامر الشرعيّة ليست بتمامها دخيلة في حفظ النظام ؛ فإنّ أحكام الحدود والقصاص وإن كانت كذلك والواجبات الماليّة وإن أمكنت أن تكون كذلك إلّا أنّ جلّا من العبادات كوجوب الصلاة التي هي عمود الدين لا ربط لها بحفظ النظام أصلا. (١)
اللهمّ إلّا أن يقال : إنّه يكفي في بناء العقلاء ترتّب حفظ النظام على رعاية نفس القطع دون الظنّ والوهم والاحتمال. وعليه فلا وجه لملاحظة ارتباط المقطوع مع حفظ النظام ، فتأمّل فالعمدة في ردّ هذا القول هو ما ذكرناه.
ثالثها : هو ما ذهب إليه في مصباح الاصول من أنّ الصحيح هو أن يقال : إنّ حجّيّة القطع من لوازمه العقليّة ، بمعنى أنّ العقل يدرك حسن العمل به وقبح مخالفته ويدرك صحّة عقاب المولى عبده المخالف لقطعه وعدم صحّة عقاب العامل بقطعه ولو كان مخالفا للواقع من دون حكم العقل بإلزام أو تحريك وبعث. وإدراك العقل ذلك
__________________
(١) مصباح الاصول ٢ : ١٦.