وثالثا : أنّ ما ذكرناه من عدم حجّيّة قطع القطّاع ، أو قطع الوسواسي ، ليس من شواهد عدم كون القطع علّة تامّة للتنجيز ، لأنّ القطع عند القاطع يكون منجّزا بنحو العلّيّة التامّة.
وهكذا ما ذكرناه ليس بمعنى رفع التنجيز ، بل معنى ما ذكرناه هو أنّ الحكم بالتنجيز من القاطع لا يعتبر عند الشارع فيما إذا كان القطع كثير الخطأ ، ففي هذه الصورة يجوز للشارع النهي عن العمل به ، لطروء العناوين المسوّغة لذلك.
فتحصّل أنّه لا يجوز النهي عن العمل بالقطع ما لم يطرأ عنوان آخر يسوّغ النهي عنه ، كما في مورد الوسواس أو القطّاع أو من أخذ بالقياس.
تنبيه في حقيقة الحكم ومراتبه
ذكر جماعة أنّ مراتب الحكم أربعة : إحداها مرتبة الاقتضاء ، ويعبّر عنها بمرتبة الشأنيّة ، وليس لهذه المرتبة إلّا شأنيّة الثبوت ، فمثل طبيعة النظافة مثلا في نفسها ذات مصلحة مستعدّة باستعداد ماهويّ لقبول الوجوب فمع وجود المانع عن الوجوب يقال لها شأنيّة الوجوب ، ووجوب اقتضائي وليس لها وراء ذلك ثبوت ووجود ، كما لا يخفى.
ثانيتها مرتبة الإنشاء ، وهو إيجاد المعنى باللفظ إيجادا لفظيّا ، بحيث ينسب الوجود الواحد إلى اللفظ بالذات ، والى المعنى بالعرض.
ثالثتها مرتبة الفعليّة ، وهي الّتي تبلغ مرتبة البعث والزجر بنحو الجدّ ، فإذا أنشأ المولى حكما بداعي جعل الداعي من جدّ وإرادة جزميّة تمّ الأمر من قبل المولى.
رابعتها مرتبة التنجّز ، وهي ما إذا بلغ الحكم إلى مرتبة الوصول إلى المكلّف وحصول العلم به ، وحينئذ يكون مخالفته موجبة لاستحقاق العقوبة ، وهذا هو معنى التنجيز.
يمكن أن يقال إنّ مراتب الحكم اثنتان : إحداهما مرتبة الإنشاء وثانيتهما مرتبة