على صورة ارتداع المتجرّي عن قصده بنفسه ، وحمل الأخبار السابقة على من بقي على قصده ، حتّى عجز عن الفعل باختياره.
أو بحمل الأخبار الأخيرة على من اكتفى بمجرّد القصد ولم يشتغل بالمقدّمات والأسباب ، والأخبار السابقة على من اشتغل ببعض المقدّمات والأسباب.
أو بحمل الأخبار الأخيرة على العزم على فعل المعصية من نفسه والأخبار السابقة على الرضاية بفعل القوم ومعصية الغير وغير ذلك من المحامل التي توجب رفع التهافت. هذا مضافا إلى أنّ النسبة بين الأخبار الدالّة على مؤاخذة بعض النيّات كإرادة العلوّ والفساد وبين الأخبار الدالّة على العفو ، عموم وخصوص ، ومقتضاه هو تخصيص أخبار العفو بما دلّ على مؤاخذة إرادة العلوّ والفساد ، ونحوهما.
ولو سلّم أنّ النسبة بينهما هي التباين يمكن الجمع بينهما بحمل أخبار العفو على بيان عدم فعليّة استحقاق العقوبة تفضّلا من الله سبحانه وتعالى ، وإن أبيت عن الجمع بين الأخبار وقلت بالتعارض بينهما ، فيجري فيهما قواعد الأخبار المتعارضة. فإن قلنا بالتخيير فهو ، وإلّا فالتساقط ، والرجوع إلى حكم العقل ، وقد عرفت أنّ العقل لا يحكم باستحقاق العقوبة على مجرّد العزم ، فتحصّل أنّه لا دليل عقلا ولا نقلا على فعليّة حرمة نفس العزم عدا موارد خاصّة كالكفر ، ومحبّة إشاعة الفحشاء ، وإرادة العلوّ والفساد. فتختصّ عقوبة المتجرّي بما إذا أتى بالفعل فلا يكفى فيه مجرّد العزم.
التنبيه الثالث : أنّ موضوع البحث في التجرّي هو الحجّة ، غير المطابقة للواقع ، سواء كانت هي القطع ، أو العلم الإجمالي ، أو الظّنّ ، أو احتمال التكليف المنجّز ، كالشبهة البدويّة قبل الفحص ، وعليه فالموضوع لا يختصّ بالقطع.
فإذا قامت الحجّة المذكورة كان الحكم منجّزا عليه ، ولا مؤمّن له بالنسبة إليه ، ومع عدم المؤمّن فإذا خالفه وأصاب القطع ، أو الظنّ ، أو الاحتمال المنجّز للواقع فهو عاص حقيقة ، وإلّا فهو من التجرّي ، لأنّه لم يعمل بوظيفته ويخرج بارتكابه عن