وبيانه : إنّ حقيقة الاستعمال ليس مجرّد جعل اللفظ علامة لإرادة المعنى ، بل جعله وجها وعنوانا له ، بل بوجه نفسه كأنّه الملقى ، ولذا يسري إليه قبحه وحسنه كما لا يخفى ، ولا يكاد يمكن جعل اللفظ كذلك ، إلّا لمعنى واحد ، ضرورة أنّ
______________________________________________________
ومنفورا عندها بالتنفّر عن معناه.
وعلى ذلك يكون لحاظ اللفظ فانيا في معنى كذلك منافيا للحاظه في نفس الوقت فانيا في معنى آخر ، إذ لحاظه فانيا في معنى آخر يوجب عدم لحاظه في المعنى الأوّل ، إلّا أن يكون اللاحظ أحول العينين فيرى اللفظ لفظين يمكن له لحاظ أحدهما فانيا في أحد المعنيين والآخر فانيا في الآخر منهما.
أقول : لا أرى محذورا في لحاظ اللفظ فانيا في كل من المعنيين وكأنّ كلّا منهما وجود لذلك اللفظ ، وقد تسلّم قدسسره في الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ بإمكان لحاظ العامّ بحيث يكون وجها وعنوانا لكلّ من أفراده وكأنّه عين كلّ منها ، وفيما نحن فيه يلاحظ اللفظ كأنّه عين كلّ من المعنيين وكلّ من المعنيين وجود له. ولذا يشار إلى النقد الرائج في عصرنا ويقال : إنّه الدرهم والدينار اللّذان أهلكا الناس في العصور المتتالية.
وأمّا ما ذكر ـ من أنّ لحاظ اللفظ فانيا في المعنى الثاني بحيث كأنّه هو الثاني ، ولازمه عدم لحاظه عين الأوّل في ذلك الآن إذ لحاظه عين الأول فرض لاجتماع المتنافيين ـ فلا يمكن المساعدة عليه ؛ وذلك لأنّ لحاظه عين الثاني يلازم عدم لحاظه في ذلك الآن عين الأوّل ، إذا لم يمكن الجمع في تنزيل اللفظ منزلة كلّ من الشيئين في آن واحد ومع إمكان التنزيل فلا مانع منه.
والسرّ في ذلك أنّ التنزيل ليس من جعل الشيء شيئا آخر حقيقة ، بل هو قسم من الوهم والخيال ولا واقعية له ليقال إنّ الواحد حقيقة لا يكون اثنين ، وبالجملة