فاعلم ، أنّ الحق كما عليه أهله ـ وفاقا للمعتزلة وخلافا للأشاعرة ـ هو اتحاد الطلب والإرادة ، بمعنى أن لفظيهما موضوعان بإزاء مفهوم واحد وما بإزاء أحدهما في الخارج يكون بإزاء الآخر ، والطلب المنشأ بلفظه أو بغيره عين الإرادة الإنشائية ، وبالجملة هما متحدان مفهوما وإنشاء وخارجا ، لا أنّ الطلب الإنشائي الذي هو المنصرف إليه إطلاقه ـ كما عرفت ـ متحد مع الإرادة الحقيقية التي ينصرف إليها إطلاقها أيضا ، ضرورة أن المغايرة بينهما أظهر من الشمس وأبين من الأمس. فإذا عرفت المراد من حديث العينية والاتحاد ، ففي مراجعة الوجدان عند طلب شيء والأمر به حقيقة كفاية ، فلا يحتاج إلى مزيد بيان وإقامة برهان ، فإن الإنسان لا يجد غير الإرادة القائمة بالنفس صفة أخرى قائمة بها ، يكون هو الطلب غيرها ، سوى ما هو مقدمة تحققها ، عند خطور الشيء والميل وهيجان الرغبة إليه ، والتصديق لفائدته ، وهو الجزم بدفع ما يوجب توقفه عن طلبه لأجلها.
______________________________________________________
أن يحصل له اليقين بأنّه عند طلب الفعل ولو من الغير لا يجد من نفسه شيئا غير الإرادة ، أي الشوق المؤكّد المستتبع لتحريك عضلاته في موارد إرادة الفعل بالمباشرة ، أو المستتبع لأمر عبده في موارد إرادته لا بالمباشرة ، ولا توجد صفة أخرى لتكون حقيقة الطلب ، بل لا توجد في النفس مع الإرادة إلّا مقدّماتها التي تتحقّق عند خطور الشيء على قلبه والميل إليه أي هيجان رغبته إليه ، والتصديق بفائدته ، وهي الجزم بدفع ما يوجب توقّفه عن طلب الفعل وإرادته لأجل تلك الفائدة. وبتعبير آخر : الجزم المزبور في الحقيقة هو الجزء الأخير من مبادئ الإرادة ، وتحصل الإرادة عند خطور الفعل ـ أي حضوره في الذهن ـ والميل إليه والتصديق لفائدته والجزم بعدم المانع عن إرادته.
ثمّ إنّه قدسسره قد تعرّض لحال سائر الصيغ الإنشائية والجمل الخبرية ، وذكر أنّ في