لا تكاد تتخلف عن المراد ، فلا يصح أن يتعلق بها التكليف ، لكونها خارجة عن الاختيار المعتبر فيه عقلا.
قلت : إنّما يخرج بذلك عن الاختيار ، لو لم يكن تعلق الإرادة بها مسبوقة بمقدماتها الاختيارية ، وإلّا فلا بد من صدورها بالاختيار ، وإلّا لزم تخلف إرادته عن مراده ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
______________________________________________________
ومن هنا ينفتح باب المناقشة في اختيار العباد في أفعالهم بأنّه إذا كان الكفر والعصيان والإطاعة والإيمان بإرادته (تعالى) التي لا يمكن تخلّفها عن المراد ، فكيف يمكن تعلّق التكليف بأفعالهم الخارجة عن اختيارهم؟ مع أنّ الاختيار يعتبر في التكليف عقلا.
وأجاب الماتن قدسسره عن الإشكال بما حاصله : أنّ الإرادة التكوينية تعلّقت بالكفر والعصيان أو الإيمان والطاعة الناشئ كلّ منها عن إرادة العبد واختياره ، وهذا التعلّق لا يوجب خروج أفعالهم عن اختيارهم لئلّا يصحّ التكليف بها ، ولو خرجت بذلك عن اختيارهم لزم تخلّف إرادة الله (تعالى) عن مراده ، حيث إنّ المراد هو الكفر والعصيان والإيمان والطاعة الصادرة من العباد عن اختيارهم ، وما تقدّم من أنّه إذا توافقتا فلا محيص عن الطاعة والإيمان فالمراد أنّه لا محيص عن الطاعة والإيمان الاختياريين ، كما أنّ المراد من قولنا : (فلا محيص عن الكفر والعصيان) هو أنّه لا محيص عن اختيارهما.
ولكن لا يخفى أنّ المناقشة في كون أفعال العباد اختيارية لهم ، لا تنتهي بما ذكره ، وإلى ذلك أشار بقوله «إن قلت : إنّ الكفر والعصيان من الكافر والعاصي ولو كانا مسبوقين ... إلخ» وحاصلها أنّ الكفر والعصيان وإن كانا ناشئين عن إرادة العبد واختياره ، إلّا أنّ إرادة العبد واختياره ناش عن مباد غير اختياريّة وحاصلة بإرادة الله