إن قلت : إنّ الكفر والعصيان من الكافر والعاصي ولو كانا مسبوقين بإرادتهما ، إلّا أنّهما منتهيان إلى ما لا بالاختيار ، كيف؟ وقد سبقهما الإرادة الأزليّة والمشيّة الإلهيّة ، ومعه كيف تصح المؤاخذة على ما يكون بالآخرة بلا اختيار؟.
قلت : العقاب إنّما بتبعة الكفر والعصيان التابعين للاختيار الناشئ عن
______________________________________________________
(تعالى) ومشيّته ، حيث إنّ خطور الفعل والتصديق بفائدته والميل (أي هيجان الرغبة) والجزم بعدم المانع لا يكون من واجب الوجود حتّى لا يحتاج إلى علّة ، ولا يكون حصولها بإرادة العبد وإلّا لزم التسلسل ، فلا بدّ من أن يؤثّر فيها إرادة الله (تعالى) ومشيّته ، فتكون النتيجة أنّ العقاب والمؤاخذة تكون على ما يكون بالمآل بلا اختيار ، وهذا في الحقيقة مذهب الجبرية ، وهو أنّ المؤثّر في فعل العبد إرادة الله (تعالى) ومشيّته.
وأجاب عن ذلك أنّ العقاب يكون على الكفر والعصيان ، وبتعبير آخر : استحقاق العقاب يتبع الكفر والعصيان (أي يلزمهما) والكفر والعصيان يتبعان إرادتهما ، وإرادتهما ناشئة عن مبادئها الناشئة عن الشقاوة الذاتية للكافر والعاصي ، واللازم الذاتي لا يحتاج إلى الجعل والعلّة ، فإنّ «السعيد سعيد في بطن أمّه ، والشقيّ شقيّ في بطن أمّه» (١) ، و «النّاس معادن كمعادن الذهب والفضة» (٢) كما في الخبر. وعليه فالإطاعة والإيمان من المؤمن والمطيع تتبع إرادتهما الناشئة من مبادئها الناشئة عن السعادة الذاتية اللازمة لخصوص الذات ، ونتيجة كلّ ذلك ، بما أنّ لوازم الذات لا يتعلق بها الجعل ، فلا تكون مبادئ إرادة الطاعة والإيمان أو الكفر والعصيان
__________________
(١) التوحيد للصدوق رحمهالله : ص ٣٥٦ ، الباب ٥٨ ، الحديث ٣.
(٢) الروضة من الكافي : ٨ / ١٧٧ ، الحديث ١٩٧ ؛ مسند أحمد بن حنبل : ٢ / ٥٣٩.