.................................................................................................
______________________________________________________
الحاصل. وإن كان المراد أنّه لا محيص عن صدور الفعل المذكور ، فيكون مقتضى إرادة الله حصول مبادئ الإرادة للعبد ، وهو يقتضي لا بدّية صدور الفعل ، فهذا أيضا يساوي مسلك الجبر ؛ إذ مع حصول مبادئ الإرادة تكون إرادة العبد واجبة الوجود والمفروض أنّ إرادة العبد علّة تامّة لصدور الفعل عنه ، فأين الاختيار ، وكيف يصحّ التكليف ، وكيف يصحّ عقابه على مخالفة التكليف؟ مع أنّ العبد البائس المسكين لا يتمكّن من ترك المخالفة مع حصول مبادئ الإرادة بتبع شقاوة ذاته ، أو بإرادة الله (عزوجل) ، ومعه كيف يصحّ التوبيخ بمثل قوله سبحانه (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ)(١).
مع أنّ للعبد المسكين أن يجيب بأنّي لا أتمكّن من الشكر لك ، فأنت الذي أوجدت مبادئ إرادة الكفر والطغيان في نفسي ، أو إنّ لي ذاتا لازمها الشقاوة المستتبعة لمبادئ الكفر والنفاق والطغيان ، ولا حيلة لي بغيرها ، فكيف يصح عقابه؟ وفي الصحيح عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عدة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال له رجل : جعلت فداك أجبر الله العباد على المعاصي؟ فقال : الله أعدل من أن يجبرهم على المعاصي ، ثمّ يعذبهم عليها ، فقال له : جعلت فداك ، ففوّض الله إلى العباد؟ فقال : لو فوّض إليهم لم يحصرهم بالأمر والنهي ، فقال له : جعلت فداك ، فبينهما منزلة؟ قال فقال : نعم ، أوسع ما بين السماء والأرض (٢).
__________________
(١) سورة الملك : الآية ٢٣.
(٢) الأصول من الكافي : ١ / ١٥٩ باب الجبر والقدر ، الحديث ١١.