.................................................................................................
______________________________________________________
على أنّ واضع الألفاظ هو الله سبحانه ، إذ يحتمل أن يكون أصل الوضع في أيّ لغة قد حدث قبل التاريخ ، ثمّ كملت تلك اللغة على مرّ العصور نتيجة تطوّر الأفكار وكثرة الحاجات ، كما نرى بالوجدان أنّ المصنوعات والمخترعات الجديدة توضع لها الأسماء من غير أن يذكر في التاريخ من سمّاها بها ، ومما ذكر يظهر الجواب عن تعذّر وضع أشخاص لغة جديدة ، فضلا عن شخص واحد.
وقد ذهب سيدنا الأستاذ قدسسره إلى أنّ وضع الألفاظ في حقيقته تعهّد وقرار من مستعمل اللفظ بأنّه كلّما أتى به أراد تفهيم المعنى الفلاني ، ولا يفرّق في ذلك بين أن يكون التعهّد والقرار ابتدائيا ، أو كان مسبوقا بالتعهد والاستعمال من الآخرين فيكون مستعمل الألفاظ مع ذلك التعهّد واضعا ، ولو كانت استعمالاته مسبوقة بالاستعمال من الآخرين ، فإنّ عدم إعراضه عن استعمال السابقين وإقرار اللفظ على ما هو عليه إمضاء للتعهّد والقرار ، فكلّ مستعمل واضع ، غاية الأمر السابق ـ لسبقه في التعهّد والاستعمال ـ يطلق عليه الواضع ، وعلى ذلك فما يرى من خطور المعنى إلى الذهن عند سماع اللفظ ولو من غير شاعر فهو ليس من الدلالة الوضعيّة ، بل منشؤه أنس الأذهان لكثرة الاستعمال (١).
ولكن لا يخفى أنّه لو كان الأمر كذلك لكان الأنس حاصلا بين اللفظ وإرادة تفهيم المعنى لا نفسه.
والصحيح أنّ الوضع في الألفاظ عبارة عن جعلها علامات للمعاني ، والغرض من جعل العلامة تفهيمها بها ، فالمعنى هو الموضوع له ومسمّى اللّفظ ، لا أنّ إرادة
__________________
(١) محاضرات في أصول الفقه : ١ / ٤٥.