.................................................................................................
______________________________________________________
وأمّا الالتزام بأنّ دلالة الألفاظ ليست بذاتية محضة بل بها وبالوضع معا ـ كما عن المحقق النائيني قدسسره ـ ، بدعوى أنّ كل لفظ يناسب معنى واقعا وتلك المناسبة مجهولة عندنا ، والله (تبارك وتعالى) عيّن كلّ لفظ لمعناه المناسب له وألهمنا بالتكلّم بذلك اللّفظ عند إرادة ذلك المعنى ، فيكون الوضع في الألفاظ أمرا متوسطا بين الأحكام الشرعية التي يحتاج إبلاغها إلى الأنام إلى إرسال الرسل وإنزال الكتب ، وبين الأمور الجبلّيّة التي جبل الإنسان على إدراكها من الأمور التكوينية كالعطش والجوع عند احتياج البدن إلى الماء والغذاء ، ولو كانت دلالة الألفاظ ذاتية محضة بلا توسيط وضع لما جهل أحد معنى لفظ ، ولو عند قوم آخرين ، واحتمال أنّ الواضع هو الإنسان غير صحيح ؛ لأنّا نقطع بحسب التواريخ التي بأيدينا أنّه لم يكن شخص أو أشخاص وضعوا الألفاظ في لغة ، فضلا عن سائر اللغات.
ومما يؤكّد ذلك أنّ جماعة لو أرادوا وضع ألفاظ جديدة في لغة بقدر الألفاظ التي في تلك اللّغة لما قدروا عليه ؛ لكثرة المعاني وتعذّر تصوّرها من قبل أشخاص ، فضلا عن شخص واحد. فقد ظهر أنّ حقيقة الوضع هو تعيين اللفظ لمعنى بمقتضى مناسبة له وأنّ هذا التعيين من الله (عزوجل) (١) ، فغير صحيح ؛ وذلك لأنّ دعوى المناسبة الواقعيّة بين كل لفظ ومعناه ، مما لم يشهد بها شاهد ، وما يقال من أنّ الوضع يستلزم الترجيح بلا مرجح لو لا مناسبة واقعية ، غير صحيح ؛ لأنّ الغرض من الوضع ـ وهو التسبيب إلى تفهيم المعاني والمرادات ـ بنفسه كاف في تعيين أيّ لفظ لأيّ معنى ، وعدم وجود اسم شخص أو أشخاص في التواريخ التي بأيدينا لا تدلّ
__________________
(١) أجود التقريرات : ١ / ١١.