المفرد المذكّر ، وتشخّصه إنّما جاء من قبل الإشارة ، أو التخاطب بهذه الألفاظ إليه ، فإنّ الإشارة أو التّخاطب لا يكاد يكون إلّا إلى الشّخص أو معه ، غير مجازفة.
فتلخّص ممّا حققناه : أنّ التشخّص النّاشئ من قبل الاستعمالات ، لا يوجب تشخص المستعمل فيه ، سواء كان تشخّصا خارجيّا ـ كما في مثل أسماء الإشارة ـ أو ذهنيا ـ كما في أسماء الأجناس والحروف ونحوهما ـ من غير فرق في ذلك أصلا بين الحروف وأسماء الأجناس ، ولعمري هذا واضح. ولذا ليس في كلام القدماء من كون الموضوع له أو المستعمل فيه خاصّا في الحرف عين ولا أثر ، وإنّما ذهب إليه بعض من تأخّر ، ولعلّه لتوهم كون قصده بما هو في غيره ، من خصوصيات الموضوع له ، أو المستعمل فيه ، والغفلة من أنّ قصد المعنى من لفظه على أنحائه ،
______________________________________________________
عليه من قبيل الموجود الخارجي أو الموجود الذهني أو معنى من المعاني المفردة أو التركيبيّة.
ولا يعتبر في استعمال (هذا) كون الإشارة خارجية ، بل ربّما تكون الإشارة معنوية ، كما في قولك : (الإنسان مدرك للكليات) ، وبهذا يمتاز عن سائر الحيوانات حيث إنّ الإشارة بهذا في المثال معنويّة ، وكما في قولك : (الإنسان كلي يصدق على كثيرين ، وهذه الكليّة ليس موضعها الإنسان الخارجي).
نعم ضمير الغائب ك «هو» تكون الإشارة فيه معنوية إلى السابق ذكرا أو ذهنا ، بخلاف ضمير الخطاب ، فإنّه للإشارة إلى المخاطب الحاضر حقيقة أو ما يكون بمنزلة الحاضر ، وبما أنّ خصوصيّة الإشارة مستفادة من اللفظ ، فكيف لا تكون داخلة في معناه ولو بنحو التقيد؟ ثمّ إنّ الإشارة في استعمال (هذا) في الخارجيات بمثل الإصبع ونحوه إنّما هو لتعيين المشار إليه لا لخصوصية الإشارة ، كما يظهر للمتدبر.
وممّا ذكرنا يظهر أنّ الوضع في تلك الأسماء عامّ ، والموضوع له خاصّ ،