.................................................................................................
______________________________________________________
بدعوى أنّه فرده ، فلا يبقى مجال لهذا البحث ، والصحيح ما ذهب إليه السكّاكي والوجه فيه أنّه يفهم الفرق بين قول القائل : (زيد أسد ، أو أنّه قمر) وبين قوله : (زيد شجاع ، أو أنّه حسن الوجه) حيث يفهم المبالغة من الأوّل دون الثاني ، ولو كان لفظ (أسد) أو (قمر) مستعملا في معنى الشجاع أو حسن الوجه لما كان بينهما فرق.
ثانيهما : الالتزام بأنّ الوضع غير التعهّد والالتزام بإرادة المعنى الفلاني عند ذكر هذا اللفظ ، وإلّا فبناء على مسلك التعهّد يكون كل مستعمل متعهّدا بإرادة ذلك المعنى منه عند ذكره بلا قرينة وإرادة مناسبة عند ذكره مع القرينة سواء كان تعيين ذلك المعنى المناسب أيضا بالقرينة كما في الوضع النوعي ، أو بما عيّنه أولا ، كما في الوضع الشخصي (١).
أقول : ما ذهب إليه السكاكي من الالتزام بالعناية والمجاز في الإسناد والتطبيق ، لا يعمّ جميع الاستعمالات المجازيّة ليقال إنّ أمر التطبيق خارج عن شأن الواضع ، بل ذكر ذلك في الاستعارة وهي ما يكون بعلاقة المشابهة في أظهر الأوصاف والخواصّ ، وأمّا في موارد سائر العلاقات فلا ينبغي إنكار استعمال اللفظ في غير معناه الموضوع له ، كما في قوله : (من قتل قتيلا) وقوله : (رأس القوم) وإرادة رئيسهم ، و (عين القوم) وإرادة حارسهم ، و (أعتق رقبة) وإرادة العبد والمملوك ، إلى غير ذلك من الموارد التي لا ينتقل ذهن السامع فيها إلى المعاني الأوّلية للألفاظ ، وإنّما ينتقل إلى المعاني التي يستعمل فيها اللفظ (ولو بالقرينة) ، حتّى مع جهله بالمعاني الحقيقية ، وهذا بخلاف (زيد أسد) أو (أنّ وجهه قمر).
__________________
(١) المحاضرات : ١ / ٩٢.