إذا عرفت هذا ، فدعوى الوضع التعييني في الألفاظ المتداولة في لسان الشارع هكذا قريبة جدّا ، ومدعي القطع به غير مجازف قطعا ، ويدل عليه تبادر المعاني الشرعية منها [١] في محاوراته ، ويؤيد ذلك أنّه ربما لا يكون علاقة معتبرة بين المعاني الشرعية واللغوية ، فأيّ علاقة بين الصلاة شرعا والصلاة بمعنى
______________________________________________________
لا أساس له.
[١] قد يقال : تبادر المعاني الشرعية من ألفاظ العبادات الواردة في محاورات الشارع أوّل الكلام ، وعلى تقديره فلا يكون مثبتا للوضع بالاستعمال ، ولكنّ الظاهر عدم ورود الإشكال ، فإنّه لا يحتمل أن يكون مثل قوله سبحانه : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) الآية (١) ، عند نزولها من المجملات ، ولم تكن ظاهرة في الصدر الأوّل في المعاني الشرعية ، أو كانت ظاهرة في معانيها اللغوية.
نعم ، يبقى في البين احتمال كون تلك الألفاظ موضوعة لتلك المعاني قبل الشريعة الإسلامية أيضا ، كما استشهد الماتن لذلك بغير واحد من الآيات ، مثل قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ،) وقوله سبحانه : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ)(٢) ، وقوله سبحانه : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا)(٣) ، فتكون ألفاظها حقيقة لغوية لا شرعية ، واختلاف الشرائع في تلك الحقائق جزءا أو شرطا لا يوجب تعدّد المعنى ، فإنّ الاختلاف يمكن أن يكون في المصاديق والمحقّقات كاختلافها بحسب الحالات في شرعنا.
ثمّ إنّه قدسسره أيّد ثبوت الحقيقة الشرعية في تلك الألفاظ ، بعدم ثبوت علاقة
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ١٨٣.
(٢) سورة الحج : الآية ٢٧.
(٣) سورة مريم : الآية ٣١.