عنا قراكم! قال : ثم قال : أما الأولى فمن الشيطان هلمّوا قراكم. قال : فجيء بالطعام فسمّى فأكل وأكلوا. قال : فلما أصبح غدا على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال : يا رسول الله برّوا وحنثت. قال فأخبره. فقال : بل أنت أبرّهم وأخيرهم. قال : ولم تبلغني كفارة » (١).
أقول : وهذا الحديث يدل على الشدّة والغضب من جهات :
فالأولى : قول عبد الرحمن : « إنه رجل حديد ، وإنكم إن لم تفعلوا خفت أن يصيبني منه أذى » فهذا يشهد بأنّ ما رووه من أنه أرحم الامّة بالأمّة ... كذب مختلق.
والثّانية : تنحّي عبد الرحمن عنه.
والثّالثة : نداؤه عبد الرحمن : « يا غنثر » وهو شتم أي : يا لئيم أو نحو ذلك من المعاني القبيحة. وقد اخرج البخاري في باب قول الضيف « لا آكل حتى تأكل » القصّة وفيها : « فغضب أبوبكر فسبّ وجدع » قال القسطلاني في شرحه : « فسبّ أي شتم لظنّه أنّهم فرّطوا في حق ضيفه ، وجدّع بالجيم المفتوحة والدال المهملة المشددة وبعدها عين مهملة : دعا بقطع الأنف أو الاذن أو الشفة » فهذا يدلّ على شدة غضبه وبذاءة لسانه وسوء خلقه ، حيث جعل يدعو عليهم بذلك من غير استعلام منهم هل فرّطوا في حق ضيفه أولا!! بل المستفاد من البخاري أنه فعل ذلك بعد أن سأل أهله : « ما صنعتم؟ فأخبروه » وحينئذ يكون سبّه إيّاهم أشنع وأفظع.
والرّابعة : قوله للأضياف : « فو الله لا أطعمه الليلة » صنيع قبيح منه تجاه إبائهم عن الأكل حتى يجيء ، يكشف عن غضبه معهم وعدم إكرامه لهم ، من دون أن يكون منهم شيء يستحقّون ذلك به!! بل يجب إكرام الضيف عقلا وعرفا وشرعا على كلّ حال ، وهذا أمر يعرفه ويفعله حتى أجلاف العرب ...
__________________
(١) صحيح مسلم ٦ / ١٣١.