بل من عادة الأضياف أنّهم لا يأكلون حتى يأكل معهم مضيّفهم ، كما يشهد بذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الأدب : إنّ سلمان زار أبا الدرداء « فصنع له طعاما فقال : كل فإني صائم. قال : ما أنا بآكل حتى تأكل » ... فلو كان في أبي بكر شيء من الرحمة والرأفة لأكل مع أضيافه بعد انتظارهم له وإن كان صائما ، لا أن يقول بكلّ خشونة : والله لا أطعمه الليلة!!
والخامسة : إنه لا ريب في مرجوحية هذا القسم ، لظهور رجحان الأكل مع الأضياف ولو استلزم الترك هتكهم كان حراما لحرمة هتك المسلم ـ وهذا من آيات جهله وسوء خلقه.
والسادسة : قوله : « ما رأيت في الشر كالليلة قط » كلام خشن يؤذي الأضياف بلا موجب.
والسابعة : قوله لهم : « ويلكم ... » ينافي الأدب والإكرام ...
(٢) ما أخرجه محي السّنة البغوي في ( المصابيح ) والخطيب التبريزي في ( مشكاة المصابيح ) : « عن النعمان بن بشير إنه قال : استاذن أبوبكر رضياللهعنه على النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فسمع صوت عائشة رضي الله عنها عاليا ، فلمّا دخل تناولها ليلطمها وقال : لا أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فجعل النبي يحجزه ، وخرج أبوبكر مغضبا فقال النبي حين خرج أبوبكر : كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟ قالت : فمكث أبوبكر أياما ثم استأذن فوجدهما قد اضطجعا فقال لهما : أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : قد فعلنا ، قد فعلنا » (١).
ومن الواضح : أنه كان عليه بادئ بدء أن ينهاها عن ذلك بلسانه ، ثم إذا لم تنته بادر إلى لطمها ، فإنّ ذلك طريق الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
أقول : وسبب هذه القضيّة اعتراض عائشة على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
(١) مشكاة المصابيح ٣ / ١٣٧٠.